أختي الليدي آيات

أختي الليدي آيات

 

My sister Lady Ayat

انهمر صبح صيفي عبر سماء حائل  ، تناولت  الطوق الذي اشترته لي آيات بالأمس ورفعت به شعري ، ترى كيف أخبر آيات بما حـدث ليلة البارحة؟

الساعة السابعة وها هو صـوتها الرخيم المتوشح  بأحد اغنيات فيروز يصافحني  بينما اهبط السلم الرخامي. تلمس يدي اليمنى الأغصان الخضراء التي زينت بها آيات الدربزين .

وقفت بالقرب من باب المطبخ تأملتها وهي تقف  بفستانها الوردي القصير امام الموقد  .

-الفطور جاهز بسومه .

كثيرا ما تأملت آيات وهي منحنية منهمكة في طلاء أظافر صغيراتي باللون الأحمر القاني ، بينما  تنساب خصلات من غرتها بدلال على جبينها كما لـو انهـا تهمس لها.

في الجامعة التي ابهج افتتاحها  الأهالي  هنا ، كانت آيات للتو قد انهت المرحلة الثانوية ، وعند افتتاحها  طالبت آيات إدارة الجامعة بأنشطة ودورات لتصميم الأزياء .

كثيرا ما اثارت رموش آيات مراقبة المدرسة البدينة التي تقسم با أغلظ الأيمان أن رموش آيات اصطناعية.

فتجيبها آيات باسمة : رموشي يا استاذة وش ذنبي ان نساء عائلتي لهم رموش عٌكش .

عندما قدمت آيات الى منزلنا في ذاك الصباح الماطر  ، غمرته بالبهجة ، لقد أتت بعد ثلاثة  ذكور .كان عمري عشر سنوات  أسميتها آيات ، اسم تلالا في قصيدة لشاعر احببته ولازلت ،كنت استمتع بوضع ربطات على جبينها الصغير وهي ترفع لي رأسها وهي  تبتسم.

كانت آيات تسبقني إلى أحذيتي  ذات الكعب العالي، تدخل قدميها الصغيرتين ، وتمشي بهما قليلا ، ثم تسقط ، وتبتلع دمعتها وتكابر كما لو أنهـا سيدة ارستقراطية سقطت عفويا في حفلة .

صوته يداهمني \\\" با تزوج آيات \\\".

هو لا يعلم ان  آيات تلقب  نفسها منذ طفولتها الليدي آيات ، بينما ترفع طرف فستانها تحيينا .

توقفت، حاولت أن استوعب كلماته .نعم قـال آيات ،كانت الساعة التاسعة مساء تقريبا ، انه الدكتور راشد ،استاذ علم الاجتماع ، آيات طالبته في السنة الثالثة ،  تشاكسه بالأسئلة عن الظلم الذي تعانيه المرأة في مجتمعنا ، منذ أكثر من عام لاحظت أن  آيات تكثف قراءاتها عن  الـجندرية ، ونمضي ساعات معا نناقش اوجهها البغيضة.   

حفظت آيات كلمات الدكتور راشد  ، وإيماءاته، واخبرتني أنه يقدر حقوق النساء  في الحياة .واتذكر انني استحسنت ذلك ، كانت تلك اللحظات تضع حاسوبها على حجرها وتكتب تغريده في حسابها على التويتر بينما كنت أتابع فيلما على التلفاز .

جلست على كرسي  أمام طاولة الطعام المربعة الشكل متأملة  آيات وهي تضع البيض المقلي ، ومربعات جبنة الكيري ، والزيتون الأخضر في الصحن الابيض الزجاجي والمقسم الى أربع دوائر ، لتضع في الدائرة المتبقية مخلل الليمون الذي احب . وضعت المناديل الحمراء  ، ثم رصت  عليها ملعقة كبيرة وأخرى صغيرة وشوكة . سكبت الشاي من الأبريق المذهب في فنجانين  ، ووضعت مكعبين من السكر في فنجاني كما أحب .

علمتني آيات الأمومة مبكرا، كانت أمي تتركها عندي وتذهب لزيارة جيراننا .

كنت أرى وجودا طفيفا  للدكتور راشد في عينيها البراقتين  .

عندما تجعد آيات  شعرها الكثيف الطويل، تبدو اشبه  بغجرية اسبانية جذابة وخاصة عندما ترتدي فستانا أحمر .

لن انسَ عندما اخبرتني آيات انها وضعت رسالة لمعلمة الكيمياء التي تشبه ممثلة تركية حسناء ، وقد تضمنت كلمات اعجاب بشخصيتها ، وعرضت آيات عليها مساعدتها في تنسيق ملابسها  ،  وكانت دهشتي  ترحيب المعلمة بذلك ، آيات وضعت لمعلمتها وردتين  حمراء وبيضاء  مع الرسالة .

تلف آيات هذا الصباح أزهار فستانها  ببياضها ، فتبدو كما لو انها ياسمينة تراقص بعطرها  الصباح .

كثيرا ما حدثتني عن امنيات تريد أن تحققها لزميلاتها وهي تردد لي بنبرة يلفها حماس  : والله بنات حايل مبدعات ، بسومة .

-آيات ، ما بروح اليوم الدوام .

-احسن تجلسين معي .واخذ رأيك في تصميم الفساتين الجديدة .

شربت رشفات من الشاي الذي امتزج بطعم النعناع الذي قطفته آيات من حوض حديقة  المدخل الصغيرة الذي زرعته الشهر الماضي .

\\\"لا ، لن اناقشها في الموضوع ، اخاف أن توافق وأنا  لن أوافق ، \\\" هكذا قلت في نفسي ،وأنا أرى  آيات تضع حبة زيتون في فمها .

اتت آيات بيتي منذ ثلاث سنوات  ، أثر خلاف كبير مع أمي ، انقذتها من عـريس من اقرباء أمي يرى الزوجة  بين المطبخ وتحت امرة شهوة ذكر , واضربت آيات عن الطعام ، أخذتها عـنـوة ، اتذكر ذاك الصباح جيدا ، في ذلك اليوم  شعرت كما لو أن ذاتي نبت لهما جناحين من شموس .

رائحة عطر الياسمين الذي سكبته آيات في الفواحة تسلل إلى أنفي  . بينما تضع  دورق الماء الزجاجي على الطاولة ، انفلت شعر آيات من البكلة البيضاء ، وبدا يتحدر على ظهرها رويدا، رويدا  كشلال صغير حتى استقر على خاصرتها .

عندما تقف آيات بجواري يلامس  كتفها كتفي .

رآها الدكتور راشد قبل ليلتين في المجمع الكبير ، سرنا  باتجاهه، ابعدت اللثام وهي تصافحه ببهجة ملأت  عينيها ، رحب بنا ، مثبتا نظرات عينيه عليها.

.آيات أول فتاة يرى الدكتور راشد وجهها من طالباته   ، لم أرَ يوما آيات تطوي  النقاب بعناية كبنات عمي ، وكانت تردد بسخط :

من اخترع النقاب ؟ ، الله لا يـسامحه .

عندما حدثني الدكتور  راشد عن رغبته بالارتباط بآيات ، امتزجت دمعة  بصوتي .

ذكرته بان آيات تقترب من عمر ابنته ولديه زوجتين .

عبرت بي  أمنيات آيات \\\"اريد اتزوج شخص يكبرني  بخمس سنوات فقط \\\".

-آيات تحبين د. راشد

-ايه ، ينحب ، حظ زوجته ، يحترم النساء .

ابتسمت .

زوجتان يا آيات ، ويفكر بك انت الثالثة .قلتها وانا أتأمل عينيها الواسعتين فبدت لي لو أنـــهــــا كشفت خفايا أسئلتي لها هذا الصباح .وظهرت  لي وعود  الدكتور  راشد فيلا وسائق وخادمة وطباخة أيضا .

اجبته :ولكنها ستحيا بمفردها ، وردة بلا ساقي ، من يسقيها؟ من يـشم عطرها؟ ،آيات تريد رجلا  وحبيبا يشاركها شغب أيامها ، وامنياتها الغضة ، يدللها ، ويمنح سريرها دفء عاطفة ، شاب له سنوات عمرها يقفز معها ، يلعب  معها، يكتب لها حبيبتي على مراياها ، يضاحكان صغارهما معا  .

قاطعتها  بسؤالي والذي اوقف سؤال كانت تهم بطرحه علي  .

آيات تريدين زوج ثري .

لا ،اريد رجل يحترمني ويحبني .تلك اللحظات رأيت في نظرات آيات براءة باذخة  تقول ماذا لديك ، لتنكمش في فستانها الوردي ذو الحزام الأبيض كما كانت تفعل وهي طفلة عندما تخاف .

نظرت إلي وحيرة تملأ نظرات عينيها  .

-لا يكون معرس جديد ، انا بأكمل دراستي أولا .ثانيا ما اريد أتزوج من هنا ، أريد من الشرقية   .

لو علمت أمي برغبة الدكتور راشد لخطبة لآيات لطار الخبر  إلى جيراننا القدامى بشراف .

سرت رعشة في اوردتـي ، كبـرت آيات  ، كيف مرت السنوات ، وبعد سنوات قليلة سوف أرى آيات  في مملكتها الصغيرة لتنثر فيها اصص ورودها الحمراء ، وتحمل في رحمها جنينا يسميني خالتي ، ورغم ذلك ستبقى تلك الشقية الصغيرة في عيني .

كانت معارك لأجل آيات، ومعها كنت أكبر ، كنت أرى الحياة بوجهها المخيف ، حواري  معه امتد لساعة .

هما رفضتا أن تأتيا معه من الرياض .وآيات ستقـوم بمهمة زوجة ثالثة وخادمة تدلك قدميه بالماء والملح ، وتضع له الوجبات في اوقاتها ، اليس هو الاكاديمي والمرشح لإدارة الجامعة؟ .

مر الدكتور راشد بمدن كثيرة ، امضى سبع سنوات من عمره في أرض شكسبير .

قبل يومين مسحت دمعتها وهي تقرأ خبر زواج قاصر في احدى القرى المجاورة ، لماذا آيات اصبحت شفافة أكثر نحو هذا الموضوع بالـذات ، وكأنها تعلم أن هناك صياد يترصدها .

البارحة  وقعت عيناي على  آيات وهي  تلاعب صغيراتي  كما لو أنها  ظبية صغيرة تقفز معهما  .

يريد الدكتور راشد أن يحول الليدي  آيات  الى حرمة من حريمه ، وهو السلطان التركي ، تذكرت عندما ثارت آيات على مسلسل حريم السلطان، ولم تتابعه لآجل عنوانه  .

ستكون لها ليلة واحدة ، يعـني الثلث ، وهذا قمة العدل ، وستتعذب شرائط انوثتها الشفافة  بوحشة سرير كبير بارد . وعندم يأتيها المخاض ، ستكون ليلة  الزوجة الأولى للدكتور راشد ، ولن يرد على مكالماتها . لقد انتهت مهمته كتيس يلقح فقط ، مثل الذي كان يحضره أبي لعنزاته في مزرعتنا القديمة .

التفت آيات إلي قائلة :   فيه شيء وهي ترى دمعة تفر  من عيني .  

ما ادري وش فيها ، يمكن الكحل

أنها عيني التي ترعرعت فيها يا آيات ، وهي تخاف عليك .

غنت وهي تضحك اغنية قديمة :عيني ترف مبشرتني بغايب  .

تحفظ آيات الكثير من الأغنيات التي احبها،

تضحك قائلة : كل مسارح استراحات حائل تعرف رقصتي ، واتشرف بذلك .

انتبهت على صوت ضحكات صغيراتي قادمة من الصالة وصوت  مسلسل الأطفال الكرتوني يتعالى .

انهينا الإفطار ، نهضت ، رفضت آيات أن اساعدها ، تذكرني بأني حامل ، بدأت تجمع صحون افطارنا.

هي لا تعلم انني قلت له البارحة \\\" لن اسمح لك ولا لغيرك بان تخنق همسات شموع الليدي آيات بين ليالك التي تنحاز لعنجهية ذكوريتك \\\".

التفت إليها تعالى صوتها وهي تغني ، تقاطعت كلمات في أعماقي معها :نعـم ليدي  آيات ، اعذريني ، لقنت استاذك الجامعي البارحة درس لن ينساه ، ولن يفكر أن يرتبط بفتاة صغيرة مثلك ليرضى شهوته المتلاشية عبر جسدك الربيعي ، وهو يخطو نحو خريف عمره ليتركك بعاطفتك بين الحرمان .

حملت كوب الشاي الى الصالة بعد ان مسحت على شعرها  ، بينما كانت تذكرني  برغبتها للذهاب معها للسوق لشراء اقمشة لمجموعتها الجديدة.

وانا احضن صغيراتي ، لاحت لي  آيات من اعلى السلم بفستانها الوردي وبسنواتها الأربع، وهي تلفح بشعرها الفاحم .

تركية العمري-

 الدمام  - القاهرة

مايو  2016

 

 

التعليقات

  1. Image
    عائشة القحطاني 2018-08-19 06:00:45

    عارٌ علي تقييم معلمتي ، أحبك معلمتي وكفى . طالبتك تقول للعالم : تركية العمري ،جعلت مني معلمة متميزة في اللغة العربية . تركية العمري، دعواتي لكِ .

أترك تعليق