معهد غوته طريق الابداع

معهد غوته طريق الابداع

 

أعتقد أن عظماء أوطان الحرية لا يرحلون، بل تبقى أرواحهم لتزرع السنابل للبشر، ويأتي آخرون من أوطانهم يسقون هذه السنابل بصدق لتكبر ويصل ظلالها إلى كل العالم.

وهنا ألمانيا، ألمانيا الفلاسفة الذين حاربوا المسلّمات المقدسة ورسموا للعالم طريق فكر جديد، وها هي تنثر وجودها عبر فكر شاعرها وفيلسوفها ومفكرها غوته، مؤلف رواية الأم فرتر، غوته الذي اهتم باللغات، وعرف الأمم فها هو يمر بأكثر من 80 دولة في العالم عدا وطني، وهذا يؤلمني لأن أدبنا لن يصل إلى أرض غوته.. ألقى بي إغراء الترجمة هذه المرة في معهد غوته وردهاته المضيئة وسط مدينة برلين بألمانيا، ورأيت مترجمين يرتدون قمصانًا أنيقة وترتسم على شفاهم ابتسامة إنجاز، كما التقيت بمحررين وأكاديميين نشطاء متابعين للمشهد الثقافي الألماني، وسمعت أصوات طلاب في حلقات دراسية يتعلمون الألمانية، وأبحرت في إصدارات معهد غوته المتميزة، وأنشطته ومنحه الدراسية والثقافية، وأهدافه التي تتلخص في تشجيع دراسة اللغة الألمانية في الخارج وتشجيع التعاون الثقافي مع دول العالم، وإعطاء صورة شاملة عن ثقافة ألمانيا ومجتمعها وسياساتها.

وتوقفت عند إصدار (الكتب الألمانية الجديدة، مختارات من النمسا وألمانيا وسويسرا) وهو إصدار باللغة الإنجليزية اللغة المشتركة بين العالم اليوم.

«القارئ العزيز، إنها لسعادة حقيقية وشعور بالتَّميز أن نقدم هذا العدد الجديد والخارج عن المألوف من إصدار (الكتب الألمانية الجديدة).

كان الموضوع الذي تَمَّ طرحه في أعدادنا الثلاثة الأخيرة يدور حول المشهد الأدبي في برلين وزيوريخ وفينيا لذلك قرَّرنا أن نواكب هذا الزخم بتضمين هذا العدد موضوع العقول المبدعة في ترجماتها وأشكال إبداعاتها المُتعدِّدة»

جنيفير كاليها *.

يمثِّل إصدار (الكتب الألمانية الجديدة) نافذة تُعرّف المُتلقِّي في أنحاء العالم على أهم الإصدارات المتميّزة في المشهد الثقافي الألماني، وفي الدول التي تتحدث اللغة الألمانية كلغة رسمية وتكتب آدابها باللغة الألمانية كالنمسا وسويسرا، والإصدار مكتوب باللغة الإنجليزية وفي صفحات لا تتجاوز الأربعين صفحة وبغلاف أنيق.

أعجبني الإصدار وحملني إلى أمنيات عديدة لنشر إبداع أدبنا السعودي في العالم وخصوصًا خلال الأيام الثقافية السعوديَّة والمعارض الدوليَّة.

ولكن كيف يعد معهد غوته إصداره الدوري عن الكتب الجديدة، أيّ منهجية علميَّة وثقافية يتبع؟ كيف يتم اختيار الكتب؟ ولنبدأ من البداية.

يوجد في معهد غوته لجنة فاعلة وموضوعية، وهي لجنة التحرير وتتكون من أعضاء دائمين وهم مترجم وممثل لوكالة أدبيَّة، وكتبة وممثلين لمعاهد ومؤسسات ثقافية في عدد من الدول كالنمسا وسويسرا بالإضافة إلى ممثلي لمعاهد ثقافية تهتم باللغة الألمانية، كما أن من يقوم بعرض الكتب أشخاص واسعو الاطلاع، ومتابعون للمشهد الثقافي الألماني، وتتلخص الآلية في اختيار الكتب كالتالي كما يعرف بها أسرة تحرير الإصدار:

- نبدأ كل عدد بـ150 عنوانًا، وفي اجتماعنا التحريري الأول نختار حوالي سبعين منها ونرسلها إلى فريقنا من مراجعي الكتب المحترفين.

- مراجعو كتبنا هم مترجمون، وأكاديميون، ومحررون، ووكلاء وجميعهم واسعو الاطِّلاع ولديهم معرفة جيدة بالسوق.

-في اجتماعنا التحريري الثاني تناقش لجتنا مراجعات الكتب ويختارون حوالي 30 عنوانًا فقط.

ليس معهد غوتة منغلقًا على أعضائه الدائمين فقط بل هناك أعضاء آخرون في مجالات مُتعدِّدة:

- يتم دعوة أعضاء زائرين من مجالات مختلفة لينضموا إلى اللجنة، وهؤلاء الأعضاء ناشرون ووكلاء أدبيون وأصحاب مكتبات، ومترجمون. أما المحكمون فهم مجموعة متناغمة وقريبون من المشهد ومن دول مُتعدِّدة.

«لدينا محكمون في لندن والولايات المتحدة الأمريكية، ولجنة التحكيم الأمريكية تتكون من أشخاص لديهم اطِّلاع بالمشهد الأدبي (مستطلعون أدبيون)، ونقاد، ومحررون بالإضافة إلى أعضاء من مكتب الكتاب الألماني ومكتب معهد غوته في نيويورك. ويبقى سؤال: ما هو معيار اختيار الكتب التي يتم عرضها في الإصدار؟! هو معيار واحد فقط، معيار يجعل الكاتب الألماني يسعى للتميز ويشعر بمسئولية إبداعه، معيار الأعمال العظيمة والخالدة التي تنمي الفكر الإنساني والسلوك الإِنساني، المعيار هو الجودة، فمعهد غوتة يبحث عن الأعمال البارزة والأعمال المتميزة ليس ذلك فحسب بل والأعمال التي يَرَى أنها تستحق أن تمنح فرصة لتكون في أسواق الكتب والنشر البريطانية والأمريكية والعالميَّة.

يتَضمَّن إصدار الكتب الألمانية الجديدة عرضًا لروايات، ومجموعات قصصية وروايات جريمة، وعرضًا لقصص وروايات للأطفال والمراهقين ودواوين شعرية، كما يسلّط الضوء على الإصدارات الأولى للكتاب والذين يصدرون للمرة الأولى، أو يصدرون جنسًا أدبيًّا للمرة الأولى، بالإضافة إلى مقالات ولقاءات وأخبار ومعلومات وصفحات خاصة بعرض إصدارات ألمانية سردية وغير سردية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية.

في إصدار الكتب الألمانية الجديدة، يتعرف القارئ على موضوعات الإصدارات من خلال ملخصات مشوقة ونبذة مختصرة عن المؤلِّفين وعناوين دار النشر التي تملك حقوق الترجمة (المكان وصندوق البريد والبريد الإلكتروني والموقع الإلكتروني) حتَّى يستطيع المترجمون بسهولة التواصل معها.

أعتقد أن الألمان يعشقون أرضهم وغوته، وقسمات أرضهم في فكر غوته، كما أنهَّم يتفانون لأجل لغتهم بوعي من خلال عمل دؤوب علمي وثقافي مدروس وذي احترافية تسويقية عالية تشوق القارئ للاقتراب من المشهد الثقافي الألماني ومن الكتّاب الألمان والنمساويين والسويسريين في الوقت الذي بدا أدب أمريكا اللاتينية والأدب الاسكندينافي يرسمان لهما وجودًا في المشهد الثقافي العالمي من خلال الترجمات المكثفة.

لمعهد غوته مجلة تصدر باللغة العربيَّة وهي مجلة فكر وفن التي تحمل موضوعات مهمة ومشوّقة وهي إصدار ورقي وأيْضًا لها موقع إلكتروني.

فتحية تقدير لمعهد غوته عبر العالم، وتحية لمن يعملون بوعي لنشر لغاتهم وآدابهم وفنونهم وثقافاتهم، وتحية محبة وإجلال للمترجمين العرب هناك الذين بين أوجاع غربتهم فتحوا لنا آفاق الفكر الألماني. وأنا انتهي من قراءة الإصدار تذكَّرت التخبطات والعشوائية والمحسوبيات والشللية التي لدينا في المشهد الثقافي وتكرار أسماء بعينها في المناسبات الثقافية، ومرّ بي ذاك المسئول الذي رأيته في احتفالية كبيرة ترك العالم (يختصم) وكان يطوي (بشته) الأثير لديه بعناية، تمنيته أن يولي اهتمامًا أيْضًا لتخطيط ترجمة أعمال أدبيَّة متميزة من أدبنا السعودي إلى اللغة الألمانية فإبداعنا الشعري والقصصي والروائي يستحقُّ أن يحلق في أرض غوتة وشيللر والكاناترس.

** ** **

* من كلمة الافتتاحية لإصدار كتب جديدة بالألمانية، عدد خريف 2013م

التعليقات

أترك تعليق