كارين بوي

كارين بوي

 

الشاعرة التي قادتها اسئلتها الى الموت

هناك.. كانت تنام بلا حراك.. حولها وجه أنثى مخيف.. ودموع حبيب.. كانت تنام هناك.. وحولها ألف سؤال.. وبكاء أطفال.. مدرستها القديمة.. وقصائدها التي نذرتـهــا للصباح.. والربيع.. وبسمة الحرية..
قالت عنها معلمتها الأولى والتي لم تحتفظ ذاكرتها بتلميذة مثلها: «كانت الصغيرة البدينة والناعمة متقدمة بفارق معرفي كبير على زملائها، فقد كانت بشكل واضح واسعة الاطلاع، فهي تستطيع أن تجيب عن أي سؤال, وغالباً ما تفعل ذلك بعبارات موزونة أو بكلمات مبتكرة ومختارة بدقة». احتفظت لها بين أوراقها بقصة كتبتها وهي في السابعة من عمرها حملت عنوان (قصة الزعفران). إنها كارين فريتز بوي (Karin Boye).
وهي كارين بوي الصبية التي غطت قدميها عندما كانت تلتقط لها إحدى صديقاتها صورة للذكرى في لحظة وداع قائلة (أريد أن يكون كل شيء جميلاً).
وهي الشاعرة كارين بوي إحدى رواد الحداثة الشعرية السويدية، امتلأت بقلق أسئلة الخلق والحياة والموت والدين والجنس، فكتبتها شعراً، حملت قصائدها على أجنحتها نغمة اعترافية تعكس مزاجها الذي يشي باليأس والتوق للحرية الروحية, كما حملت الربيع الذي أحبته منذ طفولتها. أظهرت أعمالها المبكرة والتي كتبتها وهي في العشرين من عمرها تأثرها بالشاعر السويدي فيلهام إيكلوند، قدمت كارين بوي ملمح التحليل النفسي إلى الأدب السويدي ولم يسبقها أحد. عكس شعرها صراعها الداخلي المأساوي الذي قادها إلى الانتحار عام 1941م.
يرجع النقاد السويديون الفضل إلى الشاعرة كارين بوي في تعريف القارئ والمثقف السويدي بأعمال الشاعر الأمريكي تي إس إليوت ومنها قصيدته (الأرض الخراب) من خلال ترجمتها لها إلى اللغة السويدية.
ولدت كارين عام 1900م في غوتنبيرغ (بالسويدية يــاتابوريا), ولكنها ترعرعت في ستوكهولم, حيث انتقلت عائلتها إليها وهي في التاسعة من عمرها، عاشت بوي طفولة سعيدة فوالدها مهندس مدني أما أمها فكانت ناشطة حقوقية في قضايا المرأة والسياسة. تولت أمها تعليمها في طفولتها.
عند انتقال أسرتها إلى ستوكهولم، تعرفت كارين في مدرستها الجديدة على زميلات جديدات يشاركنها اهتماماتها القرائية وأيضاً خيالها الخصب، قرأن معها أعمالاً لشعراء فرنسيين وبريطانيين بالإضافة إلى الشاعر طاغور الذي تأثرت بشعره، في التاسعة من عمرها فازت في مسابقة مجلة عن قصة مصورة للأطفال، بدأت كارين الكتابة مبكراً وهي في التاسعة من عمرها, فقد كتبت قصصاً ومسرحيات وقصائد, كما أنها رسمت بعض اللوحات، تلقت كارين دروساً في البيانو. غرقت كارين في الأساطير الهندية، وحاولت تعلم اللغة السنسكريتية.
تعلمت كارين من البوذية إحساس الحرية الذاتية الداخلية، بعد ذلك عادت إلى المسيحية وشعرت بأنها اكتشفت شيئاً في نفسها، تأثرت قصائدها الأولى بالبوذية وبفلسفة نيتشه وشوبنهار.
وقعت كارين بوي في صراع بين خيارين: إما أن تدرس علم اللاهوت أو أن تتجه إلى التدريس وعلم النفس, وأخيراً اختارت الخيار الثاني وأصبحت معلمة. في الثامنة عشرة من عمرها اقتربت من مفاهيم الليبرالية والتحويلية.
بعد أن تلقت الدبلوم من كلية المعلم عام 1921م أكملت دراستها في جامعتي أوبسالا وستوكهولم فقد حصلت من جامعة أوبسالا على البكالوريوس في الفنون وفي جامعة أوبسالا درست اللغة اليونانية, أرادت أن تقرأ كتب أفلاطون بلغته، كما درست اللغات النوردية وتاريخ الأدب, المادة التي كانت متلهفة لدراستها ولكنها فقدت ميلها لها عندما اكتشفت أن تاريخ الأدب لم يكن يشجع على التفكير الحر، في السنة الأخيرة لها في الجامعة انضمت إلى منظمة كلارتي وهي منظمة اشتراكية تدعو للسلام العالمي وتكافح الفاشية، أسسها الروائي هنري باربس في فرنسا، ومن أعضائها يذكر سلمى لاغرلوف. أصبحت كارين بوي بعد ذلك كاتبة في جريدة المنظمة، في عام 1929م، عملت كارين معلمة لعدة سنوات. في عام 1932م تزوجت من أحد زملائها في المنظمة، بعد طلاقها ذهبت إلى برلين لدراسة التحليل النفسي، وقد ظهر ذلك في قصائدها ورواياتها التي عكست أفكار التحليل للعقل الإنساني.
في عام 1931م أسست كارين بوي مجلة شعرية مع الناقدين ميسترتون وريوكن حملت اسم طيف، وقد قدمت المجلة أعمال الشاعر الأمريكي تي إس إليوت والشعراء السرياليين، كانت معظم مقالات كارين بوي في الفلسفة والأدب. وفي العام ذاته انضمت إلى جمعية أدبية تحمل اسم التاسع. كانت كارين بوي عضواً في المعهد الأدبي السويدي. زارت كارين بوي اليونان عام 1938م وفي طريقها زارت فيينا وبراغ وإسطنبول. كما زارت الدنمارك والتي كانت تحت الاحتلال الألماني في ذلك الوقت في الأسبوع الثقافي السويدي والتقت بالعائلة الملكية الدنماركية وساهمت هذه الزيارة في انتشارها عالمياً ككاتبة من كتاب السويد المتميزين.
ساهمت كارين بوي في العديد من الدوريات، وفي برلين عملت مترجمة أدبية, كما كان لها حضور في المناقشات الثقافية, وكانت لها آراؤها الثائرة، أُعجبت كارين بالنماذج الجمالية لقدماء الإغريق وشكلت الشخصيات الأسطورية في الملاحم الفنلندية ملمحاً واضحاً في قصائدها.
عانت كارين بوى من اكتئاب حاد بسبب صراعها الداخلي وازدواج ذاتها وكينونتها الأنثوية ومرت بمحاولات انتحار, كل ذلك جعلها تتجه للعلاج لدى طبيب نفسي في برلين والذي أكد خطورة حالتها مؤكداً أنها خلال عشر سنوات ستنهي حياتها كان ذلك عام 1932م.
في أبريل عام 1941م، خرجت كارين بوي من منزلها إلى منطقة ريفية، كان تحمل قارورة أقراص منومة، بعد أيام عثر عليها أحد المارة ميتة.
باتجاه الرواية
انتقلت كارين بوي إلى كتابة الروايات وكتبت روايتها 1931م عشتروت آلهة القمر, وشاركت بها في مسابقة الرواية الإسكندينافية، وقد انتقدت خلالها المجتمع السويدي ووضع الثقافة.
كالوكين 1940م
حققت لها رواية كالوكين شهرة خارج السويد, وهي رواية علمية تعني مصل الحقيقة, استلهمتها من انطباعاتها خلال زيارتها لألمانيا والاتحاد السوفيتي، وتمثل اشمئزاز بوي من الشمولية والأيديولوجية المسيطرة على أوروبا الوسطى في تلك الفترة, وقد مثلت كفيلم سينمائي عام 1981م.
ومن رواياتها: (ميريت تستيقظ 1933م)، (الأزمة 1934)، (قليل جداً 1936م).
قصص كارين بوي
كتبت كارين بوي القصة القصيرة, وأصدرت ثلاث مجموعات قصصية, حملت الأولى عنوان المستعمرات في 1934م, كما أصدرت قبل وفاتها بعام مجموعتها الثانية (معطل) 1940م, وفي عام 1941م أصدرت مجموعتها الثالثة (إعلان).
كارين بوي والحرية
شغلت كارين بوي بمفهوم الحرية كثيراً، فالحرية بالنسبة لها (أن يعمل المرء بما يتوافق مع طبيعته). وتربط الحرية بحرية الطبيعة، وظهر ذلك في إحدى قصائد ديوانها الأرض الخفية:
في فصل الربيع
فصل النماء
بحرية
تشق البذرة قشرتها
وبفعل الحرية
يصبح الجاودار
جاوداراً
والصنوبر صنوبراً
أنصبة وتكريم
في عام 2004م سمي أحد فروع مكتبة جامعة أوبسالا باسم كارين بوي، كما أقيم لها عدد من الأنصبة التذكارية, منها ما هو في مسقط رأسها غوتنبيرغ وفي هادنغ. أيضاً حدد المكان الذي شهد انتحارها.
ترجمت أعمال كارين بوي إلى اللغة الإنجليزية، أما إرثها الأدبي فهو مودع في جمعية كارين بوي الأدبية، الذي يؤكد إبداعية كارين بوي ككاتبة حداثية مميزة، ويبقى تأثيرها على شعراء أربعينيات القرن العشرين في الدول الإسكندينافية وحتى اليوم.

أعمال كارين بوي

الغيوم
شكل الصراع الداخلي تجربتها الشعرية وبدأت في كتابة قصائدها الأولى التي كتبتها عام 1921م لتكون هذه القصائد ديوانها الأول الغيوم، حملت بوي مخطوطة قصائدها الأولى إلى دار نشر متميزة في ستوكهولم كانت بصحبة والدتها فلم تجرؤ أن تذهب بمفردها، التقت الناشر ووعدها أن يقرأ القصائد ولكنه حذرها بأن الكثير يكتبون الشعر، ولكن لا أحد يشتري دواوين الشعر. بعد ذلك تلقت رسالة منه يخبرها أنه قرأ القصائد باهتمام ونالت إعجابه, وقال لها (حقيقة استطعت أن تكتبي الشعر) وتم نشر الديوان، ونال ديوانها قراءات عديدة حتى أن أحدهم أعرب عن استغرابه أن تكون من كتبت تلك القصائد شاعرة، وقد وصفت القصائد بأنها ممتلئة بالمثالية وتحمل حس هوية جديدة.
كانت بوي تبدو كما لو أنها في محارة كانت تحتويها وانشقت وظهرت قصائدها التي بدأت من خلالها تدرك ذاتيتها الحقيقية في الرمزية والصور والأشكال الشعرية. حققت لها كتاباتها الشعرية إشباعاً لإمكاناتها الفكرية، وجعلتها تتجاوز الإشكالية التي عذبتها، فقد استطاعت أن تضحي، وتخدم وتحقق مواهبها في الفن, وقد كان كل ذلك يمثل تجربة عميقة ساهمت في تغيير الحياة بالنسبة لها.

الأرض الخفية
نشر ديوان الأرض الخفية عام 1924م واعتبره النقاد أفضل من ديوانها الأول الغيوم, وظهر تأثير فرويد في مفهوم الأرض الخفية والتي كان من مهمة الشاعرة أن تكتشفها. وهي رحلة داخل النفس البشرية.
من قصائد الديوان أرواح الطبيعة، إلى البحر، الطريق إلى البيت، النجوم، إلى شاعر.

الخطايا السبع القاتلة
يعتبر ديوان الخطايا السبع القاتلة هو ديوان كارين بوي الخامس, وقد نشر عام 1941م, واشتمل على قصيدة طويلة هي قصيدة كاتدرائية لينكوبنغ. حيث كتبتها كارين بوي بعد زيارتها للكاتدرائية حيث شعرت بشعور روحاني عميق.
كانت أعمال كارين بوي الأولى استجابة للعطش وللحياة واحتفالية بقوى التجديد، كتبت في مذكراتها (أنت لا تصبح سعيداً بمجرد أنك وصلت إلى نقطة محددة).

لأجل الشجرة
قوبل ديوانها لأجل الشجرة الذي صدر عام 1935م بآراء متباينة من النقاد, رأى معظمهم أنه خال من الحداثة، بينما كان في الحقيقة يمثل تطويراً للموضوعات التي اشتغلت بها بوي منذ بدايتها. من قصائد الديوان: لا مكان, الملاك, تلك الساعة, بالطبع تجرح, الشهور, أعيننا قدرنا.

المواقد
نشر ديوان المواقد عام 1927م وظهرت فيه الأفكار والرؤى التي مثلت إلهاماً لكارين بوي الشعري خلال سنوات دراستها في جامعة أوبسالا. من أهم قصائد الديوان: في حركة لا تهدأ، نحن أطفال نيام، والبحر.. وكانت القصائد دليلاً واضحاً على القوة الجوهرية لأسلوب كارين بوي الشعري.

من قصائدها

الصباح
عندما تنسل شمس الصباح
عبر زجاج النافذة
جذلى وحذرة
كطفل
يستيقظ مبكراً
في يوم احتفالي
يريد أن يشعر
بالدهشة
تلك اللحظة
أفرد ذراعي
وتملؤني بهجة
تكبر
وتكبر
لأجل اليوم الآتي
لأن اليوم الآتي هو أنت
والضياء أنت
والشمس أنت
والربيع أنت
وكل الحياة الجميلة
المتبقية
هي أنت
الغيوم
أتأمل
الغيوم العظيمة
التي تتعالى
بشموخ من بعيد
تبدو مغرورة
ومتلألئة
وهي تصعد
ملتفة ببياضها
الثلجي
ثم تنسل بهدوء
في سكون لتموت
وهي تنحدر
باتجاه الأرض
فتتلاشى ببطء
بين وابل
قطرات مطر باردة
تبتسم
صاحبة الجلالة
الغيوم
بازدراء هادئ
ومهيب لقدرها
وهي تسير إلى الأمام
في طريق مستقيم
عبر الحياة
وعبر الموت
وتحت الشمس
المشرقة
وفي الصحو
حيث يكون
الجو صاف
وفي الظلام
المرتمي
في كنف
المجهول
وددت لو أنني
وُهبت كبرياء
محلقاً
ومبهجاً
مثل الغيوم
كنت سأصعد
متوجة
بإكليل
شمسي
إلى مكان
لا يطؤه
صخب العالم
ولن أهتم بغضب
العواصف الثائرة
من حولي
الأفضل
الأفضل
هو ما نملكه
وهو ذاته الشيء
الذي لا نستطيع
أن نتخلى عنه
أو نكتبه
أو نقوله
والأفضل
ما يسكن عقلك
ولا يستطيع شخص آخر
أن يمحوه
هو يشرق هناك
في الأعماق
لك وللرب فقط
إنه مجد غنانا
المجد الذي لا يقدر أي
شخص آخر أن يفوز به
وهو عذاب فقرنا
والذي لا يمكن
لشخص آخر
أن يشعر به
أو يبلغه

(القصائد من ترجمة الكاتبة)

 

التعليقات

أترك تعليق