امسياتنا الأدبية المملة

امسياتنا الأدبية المملة

 

 

في البدء أود أن أوضح أنني أقصد بأمسياتنا الأدبية هي أمسياتنا الشعرية والقصصية التي تعقد في الأندية الأدبية، والتي لا يحضرها إلا عدد قليل، فالجمهور هم أصدقاء ومعارف وأقارب الضيف، وموظفو النادي ومنهم عامل النادي.
عندما بدأت أحضر أمسيات شعرية أو قصصية في عدد من الدول سواء الشقيقة بالجوار أو الدول العربية وغيرها، لاحظت أن القاعة تغص بالحضور الذين يتجاوزون القاعة الرئيسة إلى القاعة الخارجية، كما لاحظت أن الحضور لا يقتصر على فئة عمرية معينة بل رأيت اليافعين والبالغين وكبار السن، والتقيت بفئة الاحتياجات الخاصة حيث يوجد أماكن لهم، ومرحب بهم من قبل الجميع. ولكن الأمسية هناك تكون لشاعرين أو كاتبين فقط، وليس لحشد من الشعراء أو كتاب القصة، يتزاحمون على منصة، فهي أمسية، وليست مهرجاناً.
ويكون سير الأمسيات مبهجاً كما لو أنه نهر متدفق، فالجمهور يتنقل بسلاسة بين القصيدة أو القصة والعزف الموسيقي حيث يوجد عازف موسيقي، وأيضاً يكون هناك حوار مع الشاعر أو القاص فتظهر ابتسامة الشاعر والقاص وحركته على المسرح والتي تمنح جو الأمسية روحاً حية، فهو لا يبقى جالساً جامداً على كرسي خشبي يجعله يتخشب معه، بينما الممل يلف المكان، والجمهور القليل الجالس أمامه بعضهم يتثاءبون، وبعضهم ينظر إلى ساعته.
بعد ذلك يأتي التصوير والفرح الذي يلف المكان والتقاط لحظات ستهرب بعد ثوانٍ. هذه الأمسيات المفعمة بالحياة، والبهجة هي التي تناسب جمهور اليوم. اليوم حيث انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي، وحيث أصبح لدى الجمهور أكثر من مسار يجذبه ويؤثر فيه، فاليوم هو عصر ثقافة الصورة، الثقافة البصرية وجمالياتها التي تنمو يوماً بعد يوم بشكل متسارع.
إن جمهور أمسيات اليوم يستطيع قراءة القصيدة والقصة على حاسوبه أو هاتفه النقال، ولكنه يأتي إلى الأمسية لكي يُلهم من الكاتب ويستفيد من خبراته التي ربما يتحدث عنها ،أيضاً يأتي إلى الأمسية لكي يلتقي كاتبه المفضل وجهاً لوجه ويحيه، ولكنه يريد أن يرى ويسمع ويشعر بجماليات الأمسية، كعزف لحن رقيق، أو رؤية صورة أو لوحة، أو مشاهدة مقطع فيديو يصاحب النص، أو أغنية تضفي على جو الأمسية شعوراً لا ينسى.
أعتقد أن زمن الأمسيات التي يجلس فيها الشاعر أو القاص ويقرأ نصوصه قد ولى, اليوم أصبح زمن أمسيات ثقافية تحتوي النغم والصورة، ومن هنا يكون تأثير الكلمة، حيث نستطيع جذب الجمهور، وأعتقد أنه قد حان الوقت لنتوقف عن شكوانا القديمة والآسنة من قلة حضور أمسياتنا، ولنتوقف عن اتهام الجمهور الواعي والجمالي بعزوفه عن الثقافة، واتجاهه (للشيلات)، بينما نحن نقدم له مساءات كئيبة بلا روح ونطالبه أن يتفاعل معنا ويتأثر بما نكتب ونقول.

http://www.al-jazirah.com/2016/20161126/cm23.ht

التعليقات

أترك تعليق