مهرجان الباحة للقصة

مهرجان الباحة للقصة

 

 

 

كان مساء الثلاثاء 5 ديسمبر 2017 مساء مختلفا، طوق كل جبال الباحة ووصل إلى كل الوطن، إنه مساء حكاياتنا الإنسانية، أوجاع شخوصنا ودهشتهم، غرور لغتنا، وكبرياء فكرنا، وشفافية رؤيتنا إلى العالم. قصصنا القصيرة هي حكاياتنا التي تكشفنا، وتكشف لنا الحياة، ونكتشف فيها أنفسنا عبر الآخرين. نتماهى مع موراكي الذي يرى قصصه إشارات لقلبه. وذاك المساء كشفت لهم سر (جمانة)* ورفعت صوتها للكون.

كان مساء احتفالية تاريخية، تحتفي بنا، في مهرجان ثقافي كبير وهو أول مهرجان للقصة القصيرة في المملكة، نتلقى فيه هدية المبنى الجديد للنادي الذي أهداه لمثقفي الوطن جميعا رجل أعمال* متحضر يؤمن بأهمية الثقافة في تنمية مجتمعه، ويدرك أهمية دعم رجال الأعمال للثقافة ،ولأن الحكاية والقصة أنثى فقد احتفى المهرجان بالقاصة السعودية والتي ظهرت لأول مرة على المنصة جنبا إلى جنب مع زميلها وابن وطنها القاص السعودي الراقي بلا خوف أو توجس وبدون مداهمة فكر متطرف شاذ.

كنت قبل ذهابي للمهرجان قد قرأت عن المهرجان السنوي للقصة الأسترالية القصيرة والذي عقد في الفترة من 3- 5 نوفمبر الماضي، والذي أقيم في مدينة بجنوب أستراليا، إذن الجنوب ينحاز للقص، شهر واحد بيننا وبين احتفالية كتاب القصة الأستراليين، وها نحن يُحتفى بنا في احتفالية باذخة بل هي هدية لكتاب السرد في وطني من قبل نادي الباحة الأدبي، الذي تميز في ملتقياته الثقافية بسبب إداراته الناجحة، فقد أقام ملتقيات للشعر والرواية، ولكن بالنسبة للقصة القصيرة فهذا هو المهرجان الأول وعلى مستوى المملكة، وكان اختيار المكان رائعا، والتوقيت مناسبا، فديسمبر شهر الأعياد في العالم، والأجواء في وطني يلفها شتاء دافئ.

كان الاستقبال رائعا، وأيضا التنظيم، كانت فرحة زملائي في نادي الباحة تملأ المكان، جلسات متتالية ولم أشعر بالملل، أنصت إلى نصوص سردية باذخة، لفتها صباحات الأجواء القروية الحانية، كنا نكّرم بعضنا البعض ببهجة، وبين كل ذلك العرس البهيج، كنت أتأمل  قصصنا القصيرة الأثيرة لنا، واتسائل : ماذا تحتاج في هذا العصر الرقمي وعصر تعدد وسائل التواصل الاجتماعي؟ كيف نمنحها وهجا بين الأجناس الأدبية على المنبر؟ نعم كان يشغلني ذلك، أعتقد أنه لم يعد مجديا لمتلقي اليوم الاستماع فقط إلى قصة قصيرة، فقصصنا القصيرة تحتاج أن تلفها نسائم الموسيقى، والأغنية، والأداء الفلكلوري، والوان اللوحة ،والصورة الفوتغرافية، والمشهدية المسرحية الشفيفة، وحركة الجسد، ونبرات الصوت حتى يستمتع المتلقي، وعبر هذه المتعة يشعر بشخوصنا، وتصل حكاياتنا إلى وجدانه، وتتسع رؤيته للعالم والحياة، ويرى ظلال الإنسانية، فيصبح إنسانا أكثر، ونستمتع نحن معه بتفاعله مع قصصنا ومشاركتنا مشاعرنا التي سكبناها بين سطورها، مشاعرنا التي تنحاز للحرية والسلام والحياة. في مهرجان القصة القصيرة، أعتقد أننا كنا جميعا من جهات الوطن تغمرنا عبارة فولتير (فلنزرع حديقتنا) وفعلا كنا في الباحة نزرع حديقتنا بسردنا، وحكايات أسلافنا، وتاريخنا، وأهازيجنا وأغنياتنا، وبينها كنا نسقي فسائل محبتنا ووحدتنا وفكرنا الوارف بالفرح، وحديقتنا هي وطننا الحبيب.

وبعد

في تلك المساءات المكللة بشتاء حالم، كان المطر ينصت لحكاياتنا، يرسل قطراته البلورية على ضحكات مرايا الصبايا، ويخبرنا أن هناك طريقا أخضر ناعما ينساب من تلة من جنوب.

 

قرأت قصة (صوتها)، وبطلة القصة جمانة.

- الشيخ سعيد العنقري

 http://www.al-jazirah.com/2017/20171216/cm23.htm

 

التعليقات

أترك تعليق