فيينا تحب النساء

فيينا تحب النساء

 

 

فيينا : مدينة تحب النساء 

      هناك مدن جميلة ، ولكن جمالية  هذه المدينة تحمل أبعادا انسانية حضارية انثوية  ،فجمالها يكمن في  أنها أهتمت باحتياجات  النساء،  أدهشتني حكايتها ، وسرقت مني أياما للغوص فيها . تلك العاصمة هي فيينا الرقيقة .

 تعتبر النمسا من الدول الرائدة في كسر حاجز الجندرية ورفع لواء المساوة بين النساء والرجال وذلك منذ عقود ولكن لم يكن ذلك في مجال الرواتب أو فرص العمل فقط بل كان أيضا في شكل المدينة وبنيتها التحتية .كانت فيينا ترسم رفاهية أهلها وتسابق العواصم الأوروبية  التي بدأت تسترد عافيتها بعد الحرب العالمية الثانية . 

اقترحت فيينا عاصمة النمسا  برامجا تطبيقية  لكسر الجندرية في عام 1985، لتساهم في تنفيذ احتياجات كل سكانها ، وكغيرها من عواصم العالم فقد خطط فيينا  ذكور،  وتم اهمال احتياجات النساء بالكامل . بعد عدة استبيانات عن خدمات المدينة ومواصلاتها ، اقيم  معرضا فوتوغرافيا حمل عنوان (من يملك الفضاء العام )،  استقطب المعرض الكثير من الزوار حيث عرض حياة عدد من النساء والفتيات في فيينا ،اشعل المعرض نقاشات ساخنة وخاصة عندما عرضت أماكن غير آمنة للنساء . كما تم تأسيس أول  دائرة حكومية في فيينا لتحسين حياة النساء في المدينة ،  وترأستها الجمالية إيفا كيل ،بعد ذلك تم توزيع استبيان وقد أثبت الاستبيان  سهولة الحركة للذكور ومعاناة النساء . وكانت النتيجة التي فاجأت الجميع أن تجارب الرجال مختلفة عن تجارب  النساء بالرغم أنهم  يعيشون في مدينة واحدة .

وبينما  كانت فيينا تتسع، اوكلت  البنايات لشركات معمارية بعقود ولم يكن  بينهم إمرأة ، هنا إذن سيقوم  الذكور بتخطيط بناء فيينا من جديد، وستكون النساء في خارج المدينة ولن ينظر لاحتياجاتهن . اقترحت كيل أن تدعو فقط مهندسات معماريات، وتم تنفيذ اقتراحها،  فقامت المهندسات بانجاز  أكثر من ثلاثمائة  وحدة خلال  خمس سنوات ، وتميزت هذه الوحدات بوجود أماكن لتخزين عربات الأطفال ، كما اتسعت بيوت الدرج التي ساهمت في تواصل جيد بين  السكان ، واحيطت البنايات بالصيدليات والمراكز الطبية التي تحتاجها الأمهات  لرعاية اطفالهن ، عند حدوث أي عارض لهم ، أيضا أنشئت دور الأطفال ومراكز رعايتهم حول هذه البنايات  .فكرت كيل وزميلاتها المهندسات في كل شيء وبدقة وبطريقة تناسب العائلة وليس فقط النساء  .

”لم يأتي  التغيير بدون انتقادات ” هذا ما أكدته كيل ، تذكر تعليق أحدهم ”هل هذا يعني أنه يجب أن نصبغ الشوارع باللون الوردي“.

تذكر كيل بعض  التحديات التي واجهتها  ومنها  رفض زملائها  أن ترأسهم ،  تقول كيل ” لم يتقبلني الرجال  كقائد للعبة“،  ولكن كان الحكومة  معها ، وتحركت القرارات السياسية لصالح مشاريعها وزميلاتها ورصدت الميزانيات وتم مطالبة الوزارات بالعمل لتيفذ المشاريع التي تتعلق بالمساواة  .

في  الفترة من 2 200 - 2006  ظهرت في فيينا حدائق وبحيرات جديدة  ، واتسعت الأرصفة ، وازيلت منها الحواجز ، وأصبحت مناسبة لعربات الأطفال والاحتياجات الخاصة وكبار السن،  وسميت الشوارع باسماء نساء بارزات  ، وتحسنت إضاءات الشوارع مما جعل النساء يشعرن بالأمان،  فالأنوار تخيف المتحرش وايضا تجعل لدي النساء القدرة علي تحديد الحالة عند تعرضهن لخطر ما .

قامت حكومة النمسا بفرض عقوبات على كل من يقاوم مشروع كسر الجندرية بين الجنسين كما وضعت معايير للمباني لتناسب احتياجات النساء .

في عام 2008 ، أشادت الأمم المتحدة ببرامج النمسا في مجال التخطيط الحضري وادرجت استراتيجتها في برامجها الخاصة بالتخطيط الحضري للمدن .

لم تنتهي حكاية فيينا الجميلة، بل لازالت تواصل خططها لتحسين الحياة لسكانها جميعا ، وقد  بدأت العواصم الأوروبية تخطو خطاها .

وهاهي فيينا تزهو بحدائقها وبحيراتها واسواقها  ومرافقها الصحية والتعليمية والترفيهية التي ادركت احتياجات النساء لتعلم العالم أن العالم  نساء ورجال معا .

 

تم نشر المقال في صحيفة أراء سعودية .الأحد 26 مايو 2019 

http://saudiopinions.org/8469

قراءة،  واستماع  المقال . 

التعليقات

أترك تعليق