تحت زهرة الكرز

تحت زهرة  الكرز

 

 

تحت زهرة الكرز

قصة قصيرة 

ليزلي داونر 

ترجمة: تركية العمري

**********************

عندما اكتشفت بيث أن جذورها في اليابان، ظهر  لها بعض أسرار العائلة. أوصلها سائق التاكسي إلى  نهاية الزقاق. جرّت حقيبتها على بعد أمتار قليلة من الطريق محدقة في ذهول في المنازل الخشبية القديمة المتهالكة والفوانيس الورقية المعلقة بالخارج.

 انفتح باب وظهر وجه لطيف ببشرة ناعمة يشبه كثيرًا وجه جدتها. \"بيث تشان\".   

ابتسمت بيث بامتنان. انحنت المرأة، وأخذتها من مرفقها، وقادتها إلى الداخل. أرتها سلالم منحدرة  إلى غرفة. كانت فارغة فعليًا، ومبطنة بفرشة من القش الذي اندفع تحت قدميها قليلاً. كان هناك رف صغير لملابسها وطاولة زينة بحجم بيت دمية. لم يكن الجدار الرابع حتى جدارًا، كان مجرد أبواب ورقية منزلقة تشرع على شرفة. وفي حين كانت بيث تنظر إلى الشارع، مر مخلوقان غير عاديين يرتديان  ملابس كيمونو ملونة ذات أكمام ترفرف وأوشحة طويلة صلبة. سمعت بيث ضحكة بنات، وأجراسًا ترن، ورأت أمشاطًا وزخارف تتلألأ في شعورهن. شهقت بيث فرحة: \"أخيرًا\". كانت بالفعل في اليابان .

 

       ولدت  بيث وترعرعت في ضواحي لندن لكنها كانت تشعر دائمًا باختلاف إلى حد ما . كان أجدادها اليابانيون قد عاشوا في كندا. نشأت والدتها هناك ولم تهتم كثيرًا باليابان. كانت مشغولة للغاية بعائلتها وحياتها المهنية. شعرت بيث أن والدتها، بصفتها كندية يابانية كانت تريد فقط أن تتأقلم مع لندن التي تعيش فيها. لكن بالنسبة لبيث كان الأمر مختلفًا. كانت تريد  أن تجد جذورها. فربما إذا ذهبت إلى اليابان  سيكون كل شيء في مكانه الصحيح.

 

   كانت طوكيو مدينة حديثة وضخمة ومزدحمة وصاخبة، ولكنها ليست ما كانت تبحث عنه. أخبرتها جدتها عن كيوتو بمنازلها الخشبية وأشجارها المليئة بالأزهار. نزلت من القطار السريع في محطة كيوتو، كانت صرحًا شاسعًا بجدران زجاجية وسلالم متحركة صعودًا وهبوطًا، وليست ما كانت تتوقعه على الإطلاق.

 

قالت لها والدتها: \"كيوتو باهظة الثمن“.

” سوف نسأل الجدة إذا كانت تعرف أي شخص يمكنك البقاء معه، فهي ما تزال على اتصال بأصدقائها القدامى\".

ابتسمت بيث .

 

   بملامحها الرقيقة وبشرتها الناعمة  الخالية من  التجاعيد ، ذكّرتها بجدتها. أحضرت الهدايا التي أعطتها إياها والدتها؛ شاي فارنتوم وماسيون ، وبسكويت هارودز، وصورًا لعائلتها، ولها، وأمها وإخوتها وأخواتها.

 

أحضرت المرأة العجوز ألبوم صور. كانت هناك صور باهتة لجدة بيث عندما كانت فتاة صغيرة مستقيمة الظهر وجميلة. كانت  هناك أيضًا صورة صديقتين نحيلتين مبتسمتين. كانت إحداهن في منتصف العمر عندما جاءت جدتها لزيارتها .

   

كانت بيث تتمنى أن تكون لغتها اليابانية أفضل حينما جاء شاب . انحنى وابتسم بخجل. قال: \"أنا تاداو. طلبت مني جدتي أن آتي وأترجم لها. أخشى أن لغتي الإنجليزية ليست جيدة جدًا. جدتي تريد أن تسمع كل شيء عن جدتك. لقد اشتاقت إليها. ولكن في وقت لاحق. لابد أن تكوني جائعة\". وفي حين كانوا يجلسون حول مائدة العشاء، سألت بيث عن الشابات المتزينات الرائعات  اللاتي  رأتهن يعبرن تحت شرفتها.

 

أجاب تاداو ضاحكًا: \"هذا أفضل جزء من المدينة. يأتي الجميع إلى هنا لمشاهدة الغيشا وأنت في وسط منطقة الغيشا. الم تكن تعرفي  ؟ \"

هزت بيث رأسها بالنفي.

 

قال تاداو: \"كانت الجدة واحدة من أشهر الغيشا في كيوتو\". \"كان هذا بيتًا للغيشا\".

نظرت إليه بيث في حيرة. \"أمي لم تخبرني قط أن صديقة جدتي كانت غيشا\".

تردد تاداو . \" لم تخبرك أبدًا ...\" تلاشى صوته.

كانت بيث تنقل نظراتها من واحد إلى الآخر. قالت وكأنها تلهث . \"أنت تعني...“، وهنا بدأت جدته تتحدث.

 

قال تاداو بهدوء وهو يترجم: \"كانت جدتك هي الأشهر على الإطلاق والأجمل والأكثر براعة  عندما كانت ترقص، كان الرجال مفتونين. كانوا  ينفقون مبالغ  فقط لقضاء بضع ساعات في صحبتها. ما تزال أسطورة هنا. وعندما تزوجت، أخبرت جدتي أنها تريد أن تبدأ حياة جديدة.

أُرسل  زوجها إلى تورونتو. لم تكن جدتك تود أن يعرف أي شخص أنها كانت غيشا، ولا سيما أطفالها. كانت متأكدة من أنهم سيخجلون. فما تزال صورة الغيشا ذات حدين\".

 

   فكرت بيث في جدتها ، كم كانت ذات كبرياء صغيرة وقوية الظهر. كانت تتمتع بجو أرستقراطي تقريبًا ومع ذلك كان لديها جانب متواضع أيضًا. كانت حنونة جدًا ومكرسة ذاتها لأحفادها. ربما كان هذا هو السبب في أنها أرسلت بيث للبقاء مع صديقتها القديمة. ربما قررت أن الوقت قد حان لكي تعرف بيث أنها كانت أشهر غيشا في كيوتو. 

فكرت  بيث في أنه ربما يكون هذا  السبب بشعورها الدائم  أنها إلى حد ما في غير مكانها. كانت الغيشا أيضًا من الغرباء، خارج المجتمع العادي.

 

   ابتسم تاداو، ثم قال: ” تقول جدتي إنك تشبهينها تمامًا\". \"إنها تريدني أن آخذك لرؤية أزهار الكرز في ضريح هيان.\" 

كانت الأعمدة القرمزية لضريح هيان مختبئة خلف سحب من الأزهار الوردية.

قالت بيث: \"إنه جميل\". أمسك تاداو يدها وابتسم لها. لاحظت تفاصيل  ملامحه ، وعظام وجنتيه الرفيعة مثل عظام جدته. العديد من اليابانيين يمتلكون أجساماً صغيرة. لكن تاداو  كان طويل القامة.

   أدركت بيث أنه لم يكن مجرد منزل الذي كانت تبحث عنه. كانت تبحث عن شخص يربطها بجذورها.

 

 

 

 

 

 

التعليقات

أترك تعليق