مخاطر ترجمة الآداب
منوغ وترجمة زولا
ينشغل المترجم الأدبي عند ترجمة نص سردي بأمرين مهمين، الأمر الأول :شخصية النص، والأمر الثاني : كاتب النص ، وتتمثل شخصية النص في لغة ونبرة وفكرة النص ،فالجمل وتراكيبها تفتح آفاقا شاسعة نحو اللغة، أما المصطلحات فأنها تأخذ المترجم إلى جذور اللغة ، وتأتي نبرة النص التي تطل على أسلوب وأفكار الكاتب عبر حوارات الشخصيات ، وإيماءتهم وتعبيراتهم والتيتعطي صورة واضحة عن حياتهم واسلوب تفكيرهم ، كما تقدم للقاريء تاريخهم وتراث أرضهم وجغرافيتها .
في الجانب الآخر يأتي كاتب النص الأصلي ، والذي يمثل انشغالا آخرا للمترجم ،فالمترجم يتتبع سيرة الكاتب ،واهتماماته ، وأفكاره ، وهذان الأمران يعرضانالمترجم الأدبي لمشكلات ومخاطر أثناءترجمته للنصوص الأدبية .
وقد ذكرت المترجمة الفرنسية فاليري منوغ هذه المشكلاتوالمخاطر في مقالها ( الترجمة الأدبية : مشكلات ومخاطر ) ، والذي نشرته في مدونة اكسفورد ، حيث تناولت مشكلات الترجمةالأدبية ومخاطرها ، وفسرت مهمة المترجم بأنه يحمل ايقاعات العمل , والشخصية ونبرة العمل ، ومجازاته ، ونقاط التركيز فيه إلي اللغة الأخرى وهي لغة مختلفة تماما ، لغةتمتلك فضائها ، وايقاعاتها ، واسلوبها ، وثقافتها وخلفيتها التاريخية ، والثقافية، .
وتحدثت منوغ في مقالها عن تجربتها في ترجمة روايتين للكاتب الفرنسي الشهير إميل زولا ،ورغم أن منوغ فرنسية الأصل ،ولكنها وجدت صعوبات في ترجمة رواياتي زولا : المال ،وذنب القس موريه ، إلي اللغة الإنجليزية ،ومن المشكلات التي واجههتها منوغ عبرترجمتها لرواية المال 1890 هي التعامل مع المفردات الاقتصادية والسياسية والمالية ،والعملات الفرنسية في تلك الحقبة وهي القرن19 .
أما في ترجمتها لرواية ذنب القس موريه والتي كُتبت عام 1875، فقد بدأت مشكلاتها من العنوان ، عتبة النص الأولى ، فقد احتارت في العنوان هل تترجمه \"خطيئة القس موريه\" أم \"ذنب القس موريه \" !، فاختارت العنوان الثاني لأنه يناسب وضع موريه في الرواية ،كمالاحظت وجود مفردات كنسية كثيرة مثل بيتالقس ، والأثواب الكنهوتية ، والمستلزمات ،والأواني والطقوس الدقيقة لشعائر الكنيسةوهنا كان لابد من العودة إلي بيوت القساوسة ،وحياتهم في تلك الفترة .أما من ناحية اللغة ، وجدت منوغ تحديات أخرى وهي أن بعض الكلمات الفرنسية عندما تترجم إلي اللغة الانجليزية حرفيا٫فقاريء اللغة الهدف وهي اللغة الانجليزية لايفهمها كما يفهمها الفرنسيون ،.
لتختم منوغ مقالها قائلة( المشكلة الجوهرية والحقيقية في كلا الروايتين كانت أن أجعل قراء اليوم يقرؤونهابكل سهولة ، بينما تحافظان على نكهةعصرهما ،ومكانهما،وعلاوة على ذلك، أن تحتفظ بالايقاع ،والنبرات والحيوية ، والمتانة وبالبعد الشاعري لكتابات زولا ) .
في رائي أن كل ماذكرته منوغ في مقالها يمثل المشكلات ذاتها التي تواجه المترجم الأدبي ، والمخاطر الحقيقية التي تحيط بترجمة النصوص الأدبية ، لذلك تتطلب ترجمة العمل الأدبي مترجما موهوبا مفعما بالخيال،وبرهافة اللغة ، واتساع الفكر حتى يمنح النص ظلالا جمالية زاهية ، والتي تتمثل في الاحساس بكل ماحوله من أمكنة ، وأناس ،وكائنات ، وطبيعة ، وكون خلاق .
* فاليري منوغ ، برفيسور فخري ، قامت بتدريس الأدب الفرنسي في عدد من الجامعات البريطانية ، كما أنها تشغل منصب رئيسةجمعية اميل زولا بلندن منذ عام 2005 ، نشرت الكثير عن الأدب الفرنسي في القرنين 19 و 20،و في عام 2014 ترجمت رواية زولا \"المال \" إلي اللغة الإنجليزية ، وفي هذا العام عام 2017 ، قامت بترجمة رواية \"ذنب القس موريه \" ، وكلاهما لمنشورات اكسفورد العالمية للأعمال الكلاسيكية.
المرجع
http://blog.oxforddictionaries.com/2016/09/literary-
translation/
نشر المقال في مجلة الجوبة عدد 59 ،