المسرحي جون سينغ
قال عنه الشاعر الأيرلندي ييتس «كان إنساناً متدفقاً، وصامتاً، وممتلئاً بعاطفة مخبأة في أعماقه، أحب الجزر الطبيعية البكر لأنه رأى فيها ما كان يكمن في ذاته»، إنه الشاعر والمسرحي الأيرلندي جون سينغ، الذي ولد في دبلن عام 1871، وتلقى تعليمه في كلية ترنتي، وقد كان مولعاً بالشعر والموسيقى. تنقل سينغ بين ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، عاكفاً على دراسة آدابها ولغاتها. وأسس سينغ الجمعية الأدبية الأيرلندية في عام1892م. وقد كتب سينغ مجموعة قصائد غنائية ظهر فيها تأثره بالكاتب الفرنسي فارنسوا فيون، وبالشاعر الإيطالي بتراركا، وكذلك عمل سينغ في مجال الترجمة، إلا أن المسرح كان هاجسه الأول.
وقد كان عام 1896 نقطة تحول في مسار حياة سينغ إذ التقى بالشاعر والكاتب المسرحي الأيرلندي ويليام ييتس، وتنبع أهمية هذا اللقاء من محاولة ييتس إشراكه فيما يمكن وصفه بمشروع قومي يهدف إلى إحياء التراث الثقافي الأيرلندي وذلك بتأسيس حركة مسرحية نهضوية تحيي هوية وثقافة الشعب الأيرلندي التي هددها المستعمر البريطاني بالاندثار. وانطلاقاً من ذلك نصح ييتس سينغ بمغادرة باريس لأن بقاءه فيها لن يبرز إبداعه الأدبي ولن يظهر صوته الأدبي، وأشار عليه بالعودة إلى أيرلندا والعيش في جزر آران الصخرية الواقعة قبالة الساحل الغربي لأيرلندا، ومعايشة أهلها البسطاء الذين يتمتعون بالخيال البكر، والعفوية. وفي عام 1898م، تبنى سينغ اقتراح بيتس وعاش فترة في جزر آران وقضى حياته مع الفلاحين يتشرب حكاياتهم، وينصت إلى لغتهم النابضة بالحياة لتتفجر طاقاته الإبداعية، وليوثق فيما بعد انطباعاته عن الحياة في هذه الجزر في مجموعة مقالات وصفية أطلق عليها عنوان (جزر آران) ونشرها عام 1907م، كما ظهر عدد من البسطاء في أبطال مسرحياته.
لم يجد سينغ في هذه المنطقة النائية من أيرلندا طبيعة ساحرة، وحكايات شعبية، وأساطير قديمة، وخرافات غريبة أطلقت العنان لخياله فحسب، بل وجد أيضاً فرصة لإشباع ولعه بالموسيقى التي تجسدت في اللغة الأنغلو – أيرلندية، التي منحت لغته الشعرية جرساً موسيقياً عذباً، تظلل مشاهد مسرحياته.
أول نتاج أدبي لسينغ ولحياته في جزر آران مسرحية في ظلال الوادي، وهي أول مسرحية تمثل على المسرح، وكانت إحدى مسرحياته التي مثلها ممثلون مسرحيون أيرلنديون في لندن عام 1903م، وقد نالت إعجاب الجمهور في لندن، وتوالت مسرحيات سينغ التي مثلت فضاءات تنويرية إنسانية في مسار ثقافة المجتمع الأيرلندي ومسار أدب أيرلندا بشكل عام.
وقد قال سينغ عن كتاباته كل مقالة كتبتها عن هذه الجزر تمتلك شخصية إنسانية تعطي ملامح هذه الحياة البسيطة، ومن مؤلفاته مسرحية وادي القديسين، مسرحية فتى الغرب المدلل، مسرحية زفاف السمكري، مسرحية دريدا فتاة الأحزان، ركاب البحر.
تتمحور مسرحيات سينغ في مجملها حول الصراع بين المخيلة الحرة والواقع الاجتماعي الرتيب الجائر، وتحمل رسائل إلى التغيير، والثورة على الجمود والسكون، واختيار الحياة. وقد استطاع سينغ بلغته الشعرية كونه شاعراً في المقام الأول أن يشكل مشاهد مسرحياته بلغة ثرية أضافت عمقاً إلى نصوصه، مما دعا عدداً من النقاد إلى تشبيه لغته المسرحية بلغة شكسبير.
وتعد مسرحية (ركاب البحر) من أشهر مسرحيات سينغ وقد نالت شهرة واسعة وحققت نجاحاً ملحوظاً واعتبرها النقاد أفضل مسرحية قصيرة في الأدب المكتوب بالانجليزية، وهي خير نموذج لصراع الإنسان مع الطبيعة وتسليمه بالقدر، وقد كتبها سينغ عام 1904م، وقد قال أحدهم «في هذه الجزر تعيش النساء لأطفالهن فقط».
تكشف مسرحية (ركاب البحر) كيف يواجه الإنسان القدر فسكان جزر آران يعرفون بأن الرجال الذين يمتطون أمواج البحر يعانون المشقة، ويواجهون الموت، ويقابلون ذلك بصبر، وقد قارن عدد من النقاد المسرحية. بالتراجيديا الإغريقية في نظرتها إلى الحياة، وتضمينها الموت، وتأكيدها على أن الإنسان لا يحقق السعادة إلى أن يموت.
وتدور أحداث مسرحية ركاب البحر في مطبخ أحد الأكواخ بجزر آران. وتصور مأساة (موريا) المرأة التي فقدت زوجها وعمها وخمسة من أبنائها في البحر، ويبدأ المشهد بالأختين كاثلين ونورا تتحاوران حول قطعة من الثياب الممزقة جلبها لهما القسيس للتعرف عليها إن كانت لأخيهما مايكل الذي ابتلعه البحر منذ تسعة أيام مضت. تدخل عليهما الأم في الوقت الذي يصل فيه الابن الأخير بارتلي معلناً بأنه يريد أن يركب البحر. تحاول أمه أن تثنيه عن عزمه مذكرة إياه بأبيه وإخوته الخمسة وأن عليه أن ينتظر على الأقل حتى تظهر جثة مايكل ليشرف على دفنها. لكن بارتلي يصمم على الذهاب محتجاً بأن هناك سفينة قادمة وسوقاً للخيل لابد أن يحضره. تطلب كاثلين من أمها ألا تدع بارتلي يسافر بدون دعواتها، فترجوها أن تلحق به لتعطيه بعض الخبز وتباركه برضاها حتى لا يموت وهي غاضبة عليه. وفي هذه الأثناء تتعرف نور على خياطة يدها في قطعة الملابس، وتتأكد أنها لأخيها مايكل، وأنه كما قال القسيس قد دفن دفناً كريماً في الشمال، وهذا خبر سيريح الأم على أية حال. ولا يمر وقت طويل حتى يعود بارتلي إلى أمه جثة هامدة، لقد أوقعه المهر الأشهب في البحر. وتستقبل الأم نبأ موت آخر أولادها برباطة جأش وصبر وإيمان واستسلام للقضاء والقدر، وتدعو بالرحمة على روح زوجها وأولادها ثم تقول: «لقد دفن مايكل مدفناً كريماً في الشمال ببركة من الله، وسيكون لبارتلي تابوت جيد من الألواح البيض، ومدفن عميق بكل تأكيد. أي شيء نريد أكثر من هذا. لن يعيش الإنسان إلى الأبد، وعلينا أن نقنع بذلك». وقد اعتبرت عبارة موريا من العبارات المتميزة في الدراما العالمية.
كان سينغ حلم أيرلندا حيث تنبأ ييتس بكاتب يوقظ هوية، وتراث، وثقافة أيرلندا، فكان هو ليطلق ييتس كلماته عند رحيل سينغ المبكر «لقد صمتت بموته روح أيرلندا».
وقد كان عام 1896 نقطة تحول في مسار حياة سينغ إذ التقى بالشاعر والكاتب المسرحي الأيرلندي ويليام ييتس، وتنبع أهمية هذا اللقاء من محاولة ييتس إشراكه فيما يمكن وصفه بمشروع قومي يهدف إلى إحياء التراث الثقافي الأيرلندي وذلك بتأسيس حركة مسرحية نهضوية تحيي هوية وثقافة الشعب الأيرلندي التي هددها المستعمر البريطاني بالاندثار. وانطلاقاً من ذلك نصح ييتس سينغ بمغادرة باريس لأن بقاءه فيها لن يبرز إبداعه الأدبي ولن يظهر صوته الأدبي، وأشار عليه بالعودة إلى أيرلندا والعيش في جزر آران الصخرية الواقعة قبالة الساحل الغربي لأيرلندا، ومعايشة أهلها البسطاء الذين يتمتعون بالخيال البكر، والعفوية. وفي عام 1898م، تبنى سينغ اقتراح بيتس وعاش فترة في جزر آران وقضى حياته مع الفلاحين يتشرب حكاياتهم، وينصت إلى لغتهم النابضة بالحياة لتتفجر طاقاته الإبداعية، وليوثق فيما بعد انطباعاته عن الحياة في هذه الجزر في مجموعة مقالات وصفية أطلق عليها عنوان (جزر آران) ونشرها عام 1907م، كما ظهر عدد من البسطاء في أبطال مسرحياته.
لم يجد سينغ في هذه المنطقة النائية من أيرلندا طبيعة ساحرة، وحكايات شعبية، وأساطير قديمة، وخرافات غريبة أطلقت العنان لخياله فحسب، بل وجد أيضاً فرصة لإشباع ولعه بالموسيقى التي تجسدت في اللغة الأنغلو – أيرلندية، التي منحت لغته الشعرية جرساً موسيقياً عذباً، تظلل مشاهد مسرحياته.
أول نتاج أدبي لسينغ ولحياته في جزر آران مسرحية في ظلال الوادي، وهي أول مسرحية تمثل على المسرح، وكانت إحدى مسرحياته التي مثلها ممثلون مسرحيون أيرلنديون في لندن عام 1903م، وقد نالت إعجاب الجمهور في لندن، وتوالت مسرحيات سينغ التي مثلت فضاءات تنويرية إنسانية في مسار ثقافة المجتمع الأيرلندي ومسار أدب أيرلندا بشكل عام.
وقد قال سينغ عن كتاباته كل مقالة كتبتها عن هذه الجزر تمتلك شخصية إنسانية تعطي ملامح هذه الحياة البسيطة، ومن مؤلفاته مسرحية وادي القديسين، مسرحية فتى الغرب المدلل، مسرحية زفاف السمكري، مسرحية دريدا فتاة الأحزان، ركاب البحر.
تتمحور مسرحيات سينغ في مجملها حول الصراع بين المخيلة الحرة والواقع الاجتماعي الرتيب الجائر، وتحمل رسائل إلى التغيير، والثورة على الجمود والسكون، واختيار الحياة. وقد استطاع سينغ بلغته الشعرية كونه شاعراً في المقام الأول أن يشكل مشاهد مسرحياته بلغة ثرية أضافت عمقاً إلى نصوصه، مما دعا عدداً من النقاد إلى تشبيه لغته المسرحية بلغة شكسبير.
وتعد مسرحية (ركاب البحر) من أشهر مسرحيات سينغ وقد نالت شهرة واسعة وحققت نجاحاً ملحوظاً واعتبرها النقاد أفضل مسرحية قصيرة في الأدب المكتوب بالانجليزية، وهي خير نموذج لصراع الإنسان مع الطبيعة وتسليمه بالقدر، وقد كتبها سينغ عام 1904م، وقد قال أحدهم «في هذه الجزر تعيش النساء لأطفالهن فقط».
تكشف مسرحية (ركاب البحر) كيف يواجه الإنسان القدر فسكان جزر آران يعرفون بأن الرجال الذين يمتطون أمواج البحر يعانون المشقة، ويواجهون الموت، ويقابلون ذلك بصبر، وقد قارن عدد من النقاد المسرحية. بالتراجيديا الإغريقية في نظرتها إلى الحياة، وتضمينها الموت، وتأكيدها على أن الإنسان لا يحقق السعادة إلى أن يموت.
وتدور أحداث مسرحية ركاب البحر في مطبخ أحد الأكواخ بجزر آران. وتصور مأساة (موريا) المرأة التي فقدت زوجها وعمها وخمسة من أبنائها في البحر، ويبدأ المشهد بالأختين كاثلين ونورا تتحاوران حول قطعة من الثياب الممزقة جلبها لهما القسيس للتعرف عليها إن كانت لأخيهما مايكل الذي ابتلعه البحر منذ تسعة أيام مضت. تدخل عليهما الأم في الوقت الذي يصل فيه الابن الأخير بارتلي معلناً بأنه يريد أن يركب البحر. تحاول أمه أن تثنيه عن عزمه مذكرة إياه بأبيه وإخوته الخمسة وأن عليه أن ينتظر على الأقل حتى تظهر جثة مايكل ليشرف على دفنها. لكن بارتلي يصمم على الذهاب محتجاً بأن هناك سفينة قادمة وسوقاً للخيل لابد أن يحضره. تطلب كاثلين من أمها ألا تدع بارتلي يسافر بدون دعواتها، فترجوها أن تلحق به لتعطيه بعض الخبز وتباركه برضاها حتى لا يموت وهي غاضبة عليه. وفي هذه الأثناء تتعرف نور على خياطة يدها في قطعة الملابس، وتتأكد أنها لأخيها مايكل، وأنه كما قال القسيس قد دفن دفناً كريماً في الشمال، وهذا خبر سيريح الأم على أية حال. ولا يمر وقت طويل حتى يعود بارتلي إلى أمه جثة هامدة، لقد أوقعه المهر الأشهب في البحر. وتستقبل الأم نبأ موت آخر أولادها برباطة جأش وصبر وإيمان واستسلام للقضاء والقدر، وتدعو بالرحمة على روح زوجها وأولادها ثم تقول: «لقد دفن مايكل مدفناً كريماً في الشمال ببركة من الله، وسيكون لبارتلي تابوت جيد من الألواح البيض، ومدفن عميق بكل تأكيد. أي شيء نريد أكثر من هذا. لن يعيش الإنسان إلى الأبد، وعلينا أن نقنع بذلك». وقد اعتبرت عبارة موريا من العبارات المتميزة في الدراما العالمية.
كان سينغ حلم أيرلندا حيث تنبأ ييتس بكاتب يوقظ هوية، وتراث، وثقافة أيرلندا، فكان هو ليطلق ييتس كلماته عند رحيل سينغ المبكر «لقد صمتت بموته روح أيرلندا».