نساء الكودات و الحرب
نساء الكودات ( فك التشفير ) في الحرب العالمية الثانية
أمن الحلفاء واختصار الحرب وانقاذ الأرواح
بحث وترجمة / تركية العمري
في البدء
المرأة تلك التي لم ينصفها التاريخ لأن التاريخ كتبه ( ذكر ) ولكن كل أحداث الكون تشهد أن وراء انتصارات الرجل صف خلفه يحميه هي ( المرأة ) وهي التي تدمرها الحروب ، تهلك صغارها ، حقولها ، وحياتها .وهنا أفتح تاريخ النساء في الحرب العالمية الثانية ، (والذي تقل الترجمات العربية حوله) تاريخهن الساطع بانجازاتهن في أصعب الأوقات .
هؤلاء النساء هن فتيات الكودات ( فك الشفرات ) وتحليل البيانات ومايسمى الآن ( الأمن السيبراني ) ، حيث قمن بفك شفرات رسائل جيش المانيا النازيه واليابان.
أقدارهن وأمنياتهن الصغيرة وإنقاذ العالم
كان قدرهن أن يولدن في زمن حرب بشعة ، كانت أعمارهن تتراوح بين الخامسة عشر والعشرين ، كانت أمنياتهن تتفتح علي رقصات البالية ، أو أدوار في مسرح شكسبير، أو حب في تلال اسكتلندا ، ولكن كان القدر يعد لهن دورا أكبر من ذلك بكثير بكثير جدا ، إنه دور إنقاذ ملايين الأرواح .
لم يكن أولئك الفتيات يعرفن عظمة مافعلن !
لقد أنقذن حياة ملايين الأرواح، وأختصرن سنوات الحرب .
جوان وعيد وحرب تشتعل
في عشية عيد الميلاد عام 1941 كان الناس مجتمعين مع عائلاتهم ، يلفون الهدايا ، يعدون قداس الكنيسة، ولكن الأمر كان مختلفا مع جوان البالغة من العمر 19 ربيعا والتي استدعتها وزارة الخارجية لإجراء مقابلة معها ” التقيت إمرأة بغيضة تدعي السيدة مور سألتني كل أنواع لأسئلة“ بعد مقابلة قصيرة حشت السيدة مور أوراقا في يد جوان ، وأمرتها بالسفر الي بلدة تسمي بليتشلي وهي تقول :
” يجب أن تعودي إلي المنزل وتحزمي حقيبتك ، وتغادري في الحال ، لاتخبري أحدا إلي أين أنت ذاهبة ، يمكنك إخبار أمك أنك ستذهبين إلي بليتشلي ولكن لاتخبريها بأي شيء آخر“.
كانت جوان إحدي فتيات الكودات و محللات البيانات ، والتي تجاوز عددهن ال 8000 شابة .
هن وأمن الحلفاء
لقد أنخرطن هؤلاء النساء الصغيرات في الحرب الشرسة في مهمة فكرية ذهنية دقيقة صعبة وسرية جدا و(مملة ) كما ذكر أحدهم ، تلك المهمة فك شفرات حربية .
كانت بريطانيا مع الحلفاء تدير الحرب العالمية الثانية من بليتشلي بارك وهو المركز الرئيسي لخبراء التشفير البريطاني خلال الحرب ، والذي كان له تاثير في الحرب وفيما بعد الحرب ، وقد شكلت اولئك النساء 75 ٪ من الموظفين في هذا المجال .
في تلك الفترة كانت وجود المرأة يمثل جزءً ضئيلا في الأعمال رفيعة المستوى مثل تحليل البيانات.
لم تقم هؤلاء النساء بفك تشفير الرسائل فقط بل قمن بأعمال أخرى منها : تشغيل الآت التشفير والآت الاتصالات، وترجمة وثائق دول المحور، وتحليل حركة المرور بالإضافة إلي قيامهن بواجبات كتابية، ومهام أخرى ،
فكيف دخلت المرأة عالم فك التشفير ؟ .
دخول النساء عالم فك التشفير .
في عام 1937 م ، وعندما ازدادات التوترات في أوروبا وآسيا أمر الادميرال السير هيو سينكلير ضابط المخابرات البريطاني ببدء الاستعدات للحرب وزيادة عدد الموظفين في مجال التشفير ، وقد كان الموظفين عادة من خريجي جامعتي كاميريدج واكسفورد لتميز التعليم في تلك الجامعتين ، وبدأت تقترب الحرب أكثر ، وأصبح عمل فك الشفرات الحربية السرية أكثر أهمية ، وبدأ التفكير في النساء .
كان الاختيار في البداية لبنات طبقة النخبة حيث أن العمل يتطلب السرية ومستوي تعليم عال ، ولكن لم تكن أعدادهن كافية ، فقد أزداد الإحتياج لموظفات أكثر، وبدأ بحث القيادات العسكرية عن نساء متخصصات في مجال اللغة والرياضيات وخبيرات في الكلمات المتقاطعة .
الصحافة تتحرك
في عام 1942 استضافت صحيفة الديلي تلغراف مسابقة حل كلمات مشفرة في غضون 12 دقيقة ، وتم الاتصال بالفائزات من قبل الجيش البريطاني ، وتم تجنيدهن للعمل في مركز التشفير ، وقد أكتشفوا أن لديهن مهارات التفكير الجانبي ، وكانت المفاجأة أن غالبية هؤلاء الفائزات ينتمين إلي الطبقة المتوسطة ، بعد ذلك تم إلحاقهن ببرامج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات .
مطالب النساء للعمل الفكري
كان العمل في التشفير يحقق مطالبات النساء البريطانيات بالعمل الفكري الذي كن محرومات منه في بريطانيا ، بينما حصلت عليه الأمريكيات عندما عملن في حساب المقذوفات المدفعية وبرامج الكمبيوتر .
استطاعت هؤلاء النساء أن يساهمن في فك رموز شفرات الرسائل وبذلك تحققت الكثير من الإنجازات العسكرية الناجحة .
غرق بسمارك وأول إنتصار للنساء
في عام 1941 تم إطلاع الأدميرال السير هيو علي فك شفرة البحث عن البارجة الالمانية الضخمة بسمارك حيث حددت جين هويز إبنة ال 18 عاما مع زميلاتها (جين درست اللغة الألمانية ) مكان البارجة ووجهتها وتمكنت البحرية الملكية من اغراق البارجة في 27 مايو ، وكان هذا أول انتصار لهن. لم تعرف جهود جين وزميلاتها إلا نهاية التسعينيات .
إنتهاء الحرب والآف النساء المبدعات
أنتهت الحرب، وعادت أكثر من 8000 فتاة وسيدة بهدوء إلي منازلهن ، تزوجن ،وأنجبن ، ومارسن حياتهن الطبيعية بصمت .
السرية النسائية :
لم تتحدث أولئك البطلات عن عملهن لعائلاتهن ، لم يعرفن أسماء الأجهزة التي عملن عليها إلا عبر كتاب أطلق بعد عقود من نهاية الحرب . لم يتحدثن عن سوء تهوية وإضاء الغرف التي عملن بها ،تلك الغرف شهدت تعب وأرهاق أجسادهن ، حيث كن يعملن لساعات طوال .
جين هويز والتي عملت في فك تشفير القنابل ، قالت ” لم أتحدث لنفسي ، ولا حتى لزوجي ، أحفادي كانوا مندهشين جدا“ .
أما جين فالنتاين وهي من مواليد اسكتلندا التي كانت مشغلة لجهاز فك تشفير القنابل في سكن 11 في بليتشي بارك ، فلم تخبر أحد عن عملها في الحرب حتى منتصف السبيعينات.
ولم تتحدث النساء عن عملهن إلا بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على نهاية الحرب
انصاف البطلات ، تكريم وتوثيق
لم يطالبن بتكريم ، ولكن هناك من أنصفهن وبدأت جهود كبيرة للاحتفاء باسهامهن في مركز التشفير البريطاني عبر مقالات ودراسات وقاعدة بيانات ، وأيضا تكريمهن ونشر كتب عنهن .
تم تنظيم اجتماع كبير لهن مع زملائهن ، حيث مالت النساء بعد الحرب إلي عدم البقاء على اتصال مع زملائهن للجو السري في ذلك الوقت .
أقامت عدد من المؤسسات العلمية والتعليمية والتاريخية لقاءات لهن ليتحدثن عن تجاربهن وتم تأليف كتب عنهن من قبل كاتبات وصحافيات وباحثات ونسويات .
ومن أهم الكتب التي أصدرت عن فتيات الكودات في بريطانيا هو كتاب للكاتبة والمؤرخة البريطانية تيسا دنلوب، والذي يتكون من 352 صفحة وقد تناول حكايات 15 سيدة ممن عملن في مركز التشفير ، وهن حكين حكاياتهن بانفسهن اما عنوان الكتاب فهو فتيات بليتشلي , أما تاريخ النشر فكان عام 2015 .
من المسرحيات مسرحية تلفزيونية ( لعبة المحاكاة ) ، 1980 ، كما عرض في عام 2012 ، مسلسل تلفزيوني غامض أستلهم قصته من فتيات فك التشفير في الحرب العالمية الثانية .
وبعد
لقد نسفت هؤلاء البطلات كل (الأكاذيب التراثية ) التي نالت من النساء وقللت قدراتهن ومهارتهن ومواهبهن .
أخيرا
نعم ، تعرفهن الأرض و السماء، ويحيهن الوجود ، واتساع الحياة .