فيروز :يقين بنات
فيروز، صوتٌ تعرفه سنابلُ الحقول، يعبر بضحكات الصغيرات المخبأة بين أودية قرية صغيرة .
صوتها البلوري، كهديل أبيض يأخذ قلوبنا نحن الإناث إلى عوالم حب لامتناهية، لنجد أنفسنا نطلُّ على حـدائق وردية.
عندما تغني فيروز، لا تعلم أنها تطلق فينا يقيناً، أن لكل انثى في الكون قلباً أحمرَ ينتظرها هناك .
هي لا تعلم، أنها عندما تغني نركض سراعاً إلى مواعيدنا، وعندما نصل، نجد شرفاتِ المساء مسيجةً بالشموع لنا .
(حبيتك تانسيت النوم).
نسهر على كلماتها، نتأمل كل كلمة، وكل نغمة، ونبقى معها، ونحتفي بسهر انتظارنا، نرتبك، ولكننا نصدّقها وحدها، ونؤمن بإيقاع فلسفتها عن الحب .
(من زمان وانا صغيرة،
العب أنا ويـاه،
أنا وشادي).
نصمت بدموع ، ونحن نسمع قصة شادي، نراهما يلعبان على التلة، وفي اللحظة ذاتها نرى أصدقاء الطفولة، واطفال جيراننا القدامى. تستمر تغني، ولكنها تبكي، مالذي حدث؟ هناك اشتعالٌ وخوف، فنخاف، ونبكي معها فقدان شادي، وكأنه من أقراننا، وهنا تمنحنا يقيناً بذكريات الطفولة التي لا تغادرنا ولا نغادرها.
وبين شجن (كيفك أنت)، رأينا أمهاتنا اللواتي يخشين علينا من الحب، من شقاء الانتظار، والحنين والغياب.
(هيدي إمي،
تعتل همي).
امهاتنا اللواتي يشعرن بأن حبيباً ما اقترب من مساءاتنا، ولكننا لا نستطيع أن نبوح بملامحه لهن، ولكن قلوبهن الحارسة ترفرف حولنا، ورغم ذلك نحب، ولكن لا نستطيع أن نعترف بأن الحبيب غاب، واصبح لديه أطفال، يقفز سـؤال حنون، (كيفك أنت)؟!
ويستيقظ اعتراف حب كان مختبئا بين تلافيف وجداننا الموجوع بالغياب:
(وانت الاساسي،
وبحبك بالأساس)
ولم يسكن القلب غيرك.
هي وحدها فيروز من علمتنا أن قلب الأنثى لا يسكنه إلا حب رجل واحد فقط ، هذا يقين آخر.
كيفك إنت، أصبحت تلازمنا، نرسل معها حنين ووله وحلم لقاء أخفيناه عن عيون قرانا ومدننا الغيورة الصغيرة.
تمر فيروز بنا عبر فنن اصدقاء الطفولة،
(سألونا وين كنتوا
وليه ماكبرتوا انتو،
قلنا لهم نسينا).
تعبر ضحكات صديقاتنا اللواتي تركن شرائط ضفائرهن بين صباحات دفاترنا، كبروا هن، ولكن بقينا نحن بفساتيننا البيضاء القصيرة، واحزمتها الوردية، وشغبنا الأخضر.
و يملأنا يقين آخر، (نحن بقينا صغار )، لذلك نرى الأوراد، ونستنشق نسائم المطر، ونكتب قصائد من دهشة، ونرسم وجوه الصغار الضاحكة .
يأتي صوتها متسربلاً بغرور انثى وهي تغني :
(عودك رنان
رنة عودك إلي
عيدها كمان).
هنا حبيب، بين يديه يحمل عوداً بحنان، ينثر أنغام عوده أشواقا ليلكية، فنرقص معه.
(دق ضلك دق قلي النغمه لكي).
نعم النغمة لنا، قل ذلك ايها العازف، والنغم حب دافئ.
انها فيروز النبيلة التي تقف بين البياض، تملأ الأمكنة بالحب، تشعل المشاعر الكامنة بالوجد.
تلكم هي فيروز التي تعلّق على جيد مساءاتنا أقمارُ أنغامها .
تلك هي الفيروز التي تهمس لنا بين اغنياتها: افتحوا نوافذ ارواحكم للحب، للاحبة، للطفولة، للصباحات، وكونوا عاشقين للمساءات، وأطلقوا أغنياتكم، وارقصـوا للحياة ، لتحبوا أوطانكم، وتطوقوها بعقود الياسمين .
إنها فيروز، هدية الإله لنا.
عزفٌ منفرد،
تنقلنا فيروز على صهوة صوتها، وتناغم إيقاع موسيقى أغنياتها إلى عوالم فلسفة (الجميل).