لا …ليست هي

لا …ليست  هي

 

 

لا …ليست هي 

 

             لا … ليست هي تلك التي التقيتها هذا الصباح ! 

في الخارج كان المساء  ينثر نسائم خريف رقيق تسلل إلي  صالتي  .

أكملت شرب فنجان الشاي ،  خلعت  نظارتي ، أغمضت عيناي ، رأيتها بلا ضحكتها الصافية .

              أتذكر عندما كانت تمشي في ذلك البهو الرخامي ، تحي بابتسامة الحارسة  ، كان يخيل لي أن الأرض تهب مساحات شاسعة لخطواتها الرشيقة .

امرأة متوسطة القامة ،لها شعر أدكن  طويل تتدفق خصلاته كشلال يلامس خاصرتها ، سارت بي  نحو ضوء  نساء  ، ومضت في ليلة غريبة  .

 

لا … ليست هي .

        يجتاحني ذلك المكان بتفاصيله ،  رسم   بالشجيرات الصغيرة التي حوله  وهجاً في البلدة  .

أطلقت حلمها ، فانطلق  فرح في قلوب  نساء طيبات  أتعبتهن الحياة .  استطاعت أن توصل  مطرزاتهن البراقة إلى أسواق المدن المجاورة .

 

لا … ليست هي 

                    تدون كل صباح علي رزونامة التقويم ، مقاطع من قصائد لشاعر  رومانسي . ولكنها لم تكن  تؤمن كثيراً بالحب .

 تلك المرأة التي جلست أمامي هذا الصباح ليست هي ….

               عندما زارنا  وفد تلفزيوني  . وقفت  أمام الوفد ، تحدثت عن تاريخ بلدتنا ، والنساء السامقات  اللواتي تم تغييبهن من الكتب .كان الجميع ينصت لها بذهول .
 

وأنا أستقبلها هذا الصباح ، تمتمت  لنفسي :كيف أصبحت ليست هي!

            أحببت المكان  رغم خوف أمي على وأنا أقطع ذلك الطريق المهمل الطويل  . كنت حديثة تخرج من الكلية ، واتلمس بدايات طريقي،  ووجدتها أمامي .وكأن القدر كان يأخذني  لامرأة  ترسم لي صورة عالية لكينونتي الأنثوية .

         عندما دافعتُ عن إحدى الزميلات ، صمتت لم تجب . بعد ساعة وأنا أقف بالقرب من السلم الذي يؤدى إلي البوابة  ، كنت ممتلئة بغضب ، قالت بنبرة ثقة : لديك حس حقوقي ، مشت قليلا ثم استدارت قائلة  ” ستكونين محامية جيدة ” .

وعبرت بي  بهجة صغيرة   .

         أقفلت أمام الجميع بوابة سر انفصالها .رفضت الدخول في تجربة أخرى .

لا ليست هي !

 

           تلك الظهيرة ، لمحتها  من خلف الباب الزجاجي وهي تبكي .التفت حولي لا أريد أن يراها أحد 

ابتعدت بهدوء …ولكنني كنت متأكدة أن هناك شيء من حب ..

ترى هل خذلها؟

 

  • وأنا أحكي لها عن عصافير تحط على نافذتي  : 
  • قالت لن تكبري ؟ 
  • لماذا ؟ 
  • لأنك تحبين العصافير  .
     

          صعق البلدة الخبر كما فعل بي  ، لقد زٌفت عروساً  إلى أرض بمخالب من جبال حادة، حدث كل شيء بسرعة كما  لو أن  برقاً أتى من بعيد وأختطفها  .ذكر بدين ، قصير القامة، بلحية كثة  وحوله نساء كثيرات بين عتمة .

قبل زفافها ، لاحظ كل من حولها حيرة تملأ عينيها .

            ابتعدت عن بلدتنا ، وشيئا فشيئا لم تعد تاتِ إليها.

غادرتُ المكان .أكملت حلمي  .

ولكنها ليست هي .

            وهذا الصباح  وجدت  أمامي امرأة تشبهها، لها عينان صغيرتان  . غابت خطواتها الرشيقة 

 لم يهفهف فستانها ، ولكنها لم تكن ترتدي فستاناً ،  كانت ترتدي ثوباً واسعاً .

حضنتني، تدفقت دموعي،  ووقفت دموعها في عينيها .كانت تطلب مني أن أرفع لها دعوى في المحكمة .

لم أستطع أن أسألها حزمة أسئلة موجعة. 

شعرت بأنها تقف بعيدة عني ،  لم تعد هي  .  

            في الطريق إلى بيتي  ، فتحت نافذة  السيارة ، كانت الطرقات شبه خالية . 

عندما اقتربت من بيتي رأيت عصافيرَ صغيرة تلتفت إلي .

تلك اللحظات ، لا أدري كيف ملأني  يقين أنها لن تعود هي تلك التي التقيتها قبل خمسة أعوام .

التعليقات

أترك تعليق