حبيبته
لماذا أتت عواطف ؟ الم تترك مدينتنا وهي غاضبة منها منذ سبع سنوات ! نعم سبع سنوات بالضبط ، كان ذلك في شهر رجب الشهر الذي تلفح وجوهنا شمس لا تـرحم ، ترى هل أتت عواطف لتؤرقني ؟، أم لتستفز غيرتي ؟ ، أم لتمارس غرورها بحبه لها !.
ركبت معي السيارة الكريسيدا البيضاء ، مرت معي بمبنى المحافظة وسمعت أحاديث مفلح عن المحافظ البدين الذي لا يداوم إلا يومين في الأسبوع والـذي أوقف تطور مدينتي ، ولاحظت أن مفلح من الذين يطوون مشلحه البني في الخفاء . كانت الدروب تفتح أجفانها بتثاقل ، هي وهو تزعجهما صباحات مدينتي الروتينية .
مررت بأكبر شارع في مدينتي لاح لي لافتة بوفية المساء ذات الإطار الأحمر والتي مالت قليلا ، وبقيت كما هي منذ أشهر هو يقول بأنها ستبقى هكذا لسنوات ، خلف باب البوفية الزجاجي رأيت احد النادلين مرتديا قميصا أحمر و بنطالاً اسود يرتب الكراسي ، كم ناضلت البوفيه لأجل اسمها ، فهي البوفية الوحيدة التي تبقى مفتوحة حتى العاشرة مساء . هي وهو يريان أن مدينتي قرية سطت على ملابس المدينة وارتدتها ولكنها بقيت بملامحها القروية الساذجة .
أتت عواطف البارحة لا بل قبل البارحة بالضبط الساعة الخامسة ، سمعت صوت طائرتها وأنا ارتب مجلس بيتي ، قفزت على الكنب القريبة من النافذة ، رأيت طائرتها وتابعت حركتها في الجو ، دائما أرى عواطف في نظرات عينيه الممتلئين بالحنين ، عيناه تعلن أنها تحيا في قلبه ، خمس سنوات وهي معي ، أما هي فمعه منذ سنوات عديدة منذ كان في الصف الثاني الثانوي .
ذات مساء دخلت عليه المكتب ، وقفت بالباب علي يمينه كان كتاب شاعره المفضل يستلقي مفتوحا وبين صفحاته قلمه الأسود ، كانت عيناه مثبتتان على الأوراق الوردية ، أعرف أنها قصائدها ، اتسعت دمعة في عيناي ، وقفت لثوان ثم تركته ، هربت الى الصالة وبكيت ، حملت المرآة دون أـن يعلم نصف جسمه وهو يقف بالممر . أتساءل كثيرا كيف علمني ذلك ، كيف هيمن علي . صديقاتي تملاهن دهشة ، لم يفهمن كل ذلك ، أنا لا افهم أيضا !.
تركنا الشارع الكبير وانعطفت السيارة إلى طريق فرعي ضيق ، تذكرت الشاحن بسرعة فتحت حقيبة الحاسب الحمد لله وجدته . اليوم أول أيام دورتي التي تأجلت أكثر من مره ولكن ليس بسببي .
صباح الأمس في غرفة النوم بينما كنت أقف وراءه وهو يرتدي شماغه ويثبت عقاله أمام المرآة الطويلة ذات الإطار الأسود كادت أن ينزلق سؤال من شفتي سؤال ألم تنسها ،في اللحظة ذاتها وقعت عيناي على أنفه الحاد وتلك الوسامة التي تمر بقسماته . لا يشبه أبناء عمومتي الآخرين .
أتذكر عندما قال لي لك محبة في قلبي ، لم أنم ، بسرعة غسلت الأواني المتكدسة في الحوض ، وجففتها ، واعدتها إلى مكانها ، لم تتعب يداي كما اعتدت ، لم اكتف بذلك بل رتبت الصالة ، كنت أحرك وسائد الكنبة باستمتاع ، شبكت الفواحة ، أحضرت وجد مـن غـرفة الـنوم ، انحنيت عليها بدأت أناملها الصغيرة تمسك بشعري ، اجتاحني شعور حاول أن يفقدني فرحتي ربما كم مرة تمنى أن تكون طفلتي منها هي !!. حضنت طفلتي ، حتى نامت ، طفلتي لي ووحدها من سيجعله لي . ولكن هو يسيره قلبه ، ولكنني ابنة عمه !
كم ملأتني السعادة عندما علمت أن في أحشائي نطفة منه ، كنت استيقظ وقت السحر وأصلي ، .لن يعود إلى عواطف ، وعندما وصلت الشهر التاسع ، تناقشنا في الاسم ، كنت احمل خوف أن يسميها باسمها ، هكذا أعرف عن العشاق يسمون صغيراتهن بأسماء حبيباتهم ، عندما ناقشت احد صديقاتي الحميمات نصحتني بأن أكون حازمة واقف أمامه ، أكدت لها أنني سأفعل ، وتلك اللحظة كنت أعلم إنني لن أفعل .
لم يسمي طفلتنا بأسمها ، سماها وجد .
هل قلب الرجل يتسع لأكثر من حب ؟ كنت أحمل هذا السؤال في داخلي واستغل أي فرصة لتجمع أنثوي في بيت أمي ، وخاصة من السيدات الأكبر مني سنا ، ومن اللواتي تزوجن أكثر من مرة ، جميعهن أكدن لي أن قلب الرجل مساحة شاسعة ولكن تبقى فيه إلا الأنثى الأولى ، ومرت أوصاف كثيرة للرجل ، واتفقن الإناث على حيرتهن معهم ، وحيرتي معه تتسع .
عندما أكون لوحدي اتسائل كيف قبلت الزواج به ، ومعه عواطف ؟
تتوقف سيارة مفلح مصدرة صوتها المزعج المعتاد عند باب المركز ، افتح الباب بصعوبة ، اكثر من مرة قررت أن ابحث عن سائق غيره ، بحثت ولم أجد ، كيف وصلت بسرعة .ترجلت وترجلت معي ، وقعت عيني على طلاء أنامل أصابع قدمها الناعمة ، نظرت إلى قدمي فرأيت بقايا حناء ، بدأت أتخلص من عشقي القديم للحناء .
مررت بالحارس الذي يتثاءب دائما ، دخلت المبنى دخلت عواطف معي . منذ قدومها حرمتني من أحضانه .
عندما أتت ملاني شعور بان أكون حوله ومعه ، ألغيت كل ارتباطاتي مع أهلي ، حتى زيارة الأربعاء المقدس والتي تكون في بيت أمي اعتذرت عنها ، وغبت يـومين من العمل قلت في نفسي \" ليخصموا من مرتبي ما يشاءون \" .
حضر أمسيتها معظم نساء بلدتي ،صففوا شعورهن ، ارتدوا ملابس جديدة ، خضبوا أياديهن بالحناء ، كانت عواطف تختال نعم كانت تختال عندما دخلت ، وغابت كل النساء حتى أنا ، وبقيت هي على المسرح الكبير الذي لازالت بعض كراسيه بلباسها البلاستيكي .
صعدت الدرج القصير متجهة إلى الإدارة ، رأيت أنثى تأتي من بعد تحمل أوراقا بين يديها لها عيني عواطف .
مساء البارحة حاولت أن اصعد المسرح وأصافحها وأعانقها ولكن لم استطع ، سأجده في عينيها . لا ساجد في عينيها نظرات انتصار علي . هي حرب باردة وساخنة معها . وهو يستحق أن اظهر كل أسلحتي لأجله.
وهي تجيب على أسئلة الحاضرات ، كانت ابتسامتها تملا عينيها ، طلبن منها قصيدة حب ، بعثرت بين أوراقها ، إجابتهن وهي تبتسم
تصدقون ما لقيت قصيدة حب .
فرحت ، لقد نسيته ، نعم ، ولكنها أوقفت فرحتي عندما أعلنت أمام الملا أن الحب يكون أحيانا أكبر من الكلمات ، كأنها كانت تلتفت إلي ّبل كانت تلتفت إلي ّ .
تأملتها وأنا اجلس على كرسي أحمر في الصف الثالث ، ليست أجمل مني ، ولكن بشرتها التي تقترب من لون النبيذ ، النبيذ نعم ، كم هزتني كلمة نبيذ ، تلصصت ذات يوم على أوراقه وقرأت له ،
هناك نبيذ
يمر بقسمات وجهك
ويغرق ثغرك
يناديني
بعد قراءاتي المكثفة لدواوين شعر ، عرفت أشياء كثيرة ومعه عرفت النبيذ .
وصلت الإدارة كانت مديرة المركز تقف أمام الباب ، حييتها ، لا ادري دائما أرى عـراك ألوان في بلوزاتها . دخلت ، وبدأت اطوي عباءتي على مهل .
ألقت عواطف قصائدها أعلنت أمام الملا أنها لا تحب الشعر الشعبي عدا شاعر حمل حبيبته معه في كل الأمكنة ، وجدت ديوان لهذا الشاعر في مكتبته .
كانت عواطف ترتدي بلوزة سوداء شفافة ، بدا لي من خلفها نصف ظهرها ولاح خيط حمالتها الرقيق من قصتها الدائرية الواسعة ، أما التنوره فكانت سوداء من قماش الشيفون بلا قصات ولا ثنيات بل انسابت بشكل مستقيم ، كانت تغطي ركبتيها ولكن بطانتها الداخلية السوداء تصل إلى منتصف فخذيها . نظرت إلى جاكيت تايوري ، تعبت كثيرا لاختار ما البس ، هو ليس زواج و لاخطبة ولا عقيقة ، امسية شعرية شيء جديد على بلدتي ، صديقاتي كنا معي ، تعبت ماذا البس ، حشرت يدي بين ملابسي واستخرجت هذا التايور ، جونلة طويلة ضيقة مشجرة وجاكيت برتقالي بكم طويل وتوب اخضر فاتح ، عندما رفعت بصري رايته يتأملها هاهي تتبرج له ، لأجله . كانت عيون النسوة تحدق بها من رأسها إلى أخمص قدميها . سعدت بذلك فغدا سيحكين عنها ، وسيزدن كعادتهن على الحكايات وسيكذبن ، لا يهم كل ذلك في مصلحتي ، ولكنه سيحبها أكثر وسيدافع عنها أمامي وأمام الجميع ، رأيت نظراتهن و نظرات عيون قريباتي اللواتي يكملن الصف معي تحدق بي .شديت تنورتي على قدمي وتابعتها .
مؤكد أنه كان يلتقي بها ، أحبته كما عرف الجميع حتى الجنون واعرف أنا . وهو أيضا هام بها ، ترى إلى أين وصل معها ؟ أشبه أهل بلدتي ، الشك يملؤني الست من هذه المدينة ، التي قالت عنها عندما خرجت منها \"لن يتغيروا ، وسيبقون في العتمة \".
كل الإناث يحبون في مدينتي عبر أسلاك الهاتف لا يعرفون ملامح من يحبون ، كل شيء يتم في الظلام ، القبلات ، الأمنيات ، البكاء ، وحدها عواطف التي أعلنت عن حبها ،
قرأت لها قصيدة ذات يوم تكشف فيها عن مشاعرها ، وأنها مزقت دفاترهم الصفراء وتجاوزت أفكارهم الصفراء .
وأنا ادخل الإدارة استقبلتني رائحة بخور من مبخر صغير على الخزنة ، هو لا يحب البخور ، ونسيت عشقي للبخور لأجله . عندما بخروها ابتسمت لهن ، ولكنه بدا عليها عدم رغبتها فيه وسمعتها
تردد بعد تحبون البخور !.
مغرورة عواطف ! .
عندما انتهيت من طي عباءتي وطرحتي ، اقتربت من المرآة ، لاثبت دبابيس غرتي التي طالت مؤخرا ، ظهرت لي عواطف و شعرها الذي انحدرت خصلاته الكستنائية كشلال على كتفيها ، نعم كتب ذات يوم شيء من هذا القبيل ، كانت فاتنة بحق ، دائما يردد هذه الكلمة وسمعتها منها .
تحدثت المديرة عن الأمسية وأظهرت إعجابها بعواطف ، وتشاغلت عنها بأوراق دورتي .
جلست على الكنبة الجلدية ، أتى هو ، هو الذي قلب كل شيء ، أحاول أن الحق به بفكره ، بشعرائه ، بعوالمه البعيدة عني ، بها جلساته الطويلة في المكتب ، التي تضايقني ، عندما ارتبطت به ‘ اختار اللون الأبيض لغرفة النوم ولكني أحب الألوان الغامقة وخاصة الأسود .
مزج الأسود مع الأبيض . فأصبحت الغرفة جميلة لم أكن أحب الأبيض كثيرا . الجدران بيضاء والدولاب والسرير حملا اللون الأسود ، أما طاولات الكومدينة فقد شع لونهما الأبيض ، أما الكنبة الطويلة فقد تمدد بياضها في الغرفة . وضع على النافذة أصص ازهار الاوركيد والجوري ونثر في الحديقة ورود ا كثيرة .
التفت إلى الساعة المثبتة على الجدار ، خمس دقائق يتبقى على موعد بدء الدورة ، نهضت بسرعة حملت حاسوبي في يدي اليمنى ، وتناولت ملفي الأزرق الذي احضره لي ، كانت تلتف عليه يدي اليسري وهو يلتصق بصدري ، سرت في الممر الطويل ، مرت عيناي على عبارات في إطارات نيونية بيضاوية تتحدث عن الإرادة والطموح ، والنجاح .
عندما مررت بغرفة السكرتارية سمعتهم يتحدثون عنها ، وعن حكاية حبها .
قبل أن تأتي انتشر خبر مجيئها المرتقب ، مر الخبر في كل الدروب ومر به ، رأيت ملامحه أصبحت أكثر إشراقا ، في الليلة التي سبقت مجيئها بقي يكتب إلى ساعة متأخرة ، وأنا أقوم لأصنع زجاجة الحليب لوجد سمعت نشيجه ، تركت كل شي ، وقفت على الباب كنت ارتدي قميصا وردي ومني يفوح العطر الذي يحب ولكنه لم يلتفت كان يضع رأسه على المكتب ، دخلت ، انكببت عليه وبكيت ، لا ادري لماذا بكيت !، طلب أن ينام في الغرفة الملحقة بالمكتب تركته لرغبته ربما هذه اشكاليتي معه لم استطع أن أكون حازمة . ولم استطع أن ارفض هذه المساحة التي تبعدني عنه .ضايقتني في البدء الفكرة ولكن بعد ذلك اعتدت كل ذلك .
عواطف تزوجت وانفصلت بعد سنتين ، هل الرجل يتقبل الحبيبة بعد أن يلمسها رجل آخر؟
هو يعلم أنها له . ومثل عواطف لازالت تحتفظ بمساحات في جسدها اللولبي له ، قالت ذلك أمام الملا ، قالت أن المرأة لا تمنح رحيق شفتيها إلا لرجل واحد .
على المسرح وقفت بجسدها الأنثوي المكتمل ، هي أطول مني بقليل .
و طلبت من الكل أن يحييه ، صفقن له ، لحبيبها ، قالت عنه كلمات تشبه كلماته ، وفي نهاية كلمتها لاحت بين كلماتها عبرة ، تلك اللحظات شعرت بأنني استمع إليه .
وأنا عائدة من الأمسية ، سألني عن الأمسية ، لم التفت إليه ، هربت منها في عينيه ، تمالكت مشاعري ، وأمسكت بالأنثى التي دائما ما يهيمن عليها و لم اخبره بأنها حيته .
دخل غرفة المكتب .
ادار سيمفونية ضوء القمر ، استلقى على الكرسي السرير احتضن وسادة ، وأغمض عينيه
عندما سألته : هل تريد شيء ؟
رد :لا ، اقفلي الباب وراءك .
كان يحتضنها هي ، يحتضن عواطف أمامي ، وليست الوسادة .
لم يشم عطري ولم تتخلل أصابعه شعري ولم يقبلني طوال وجود عواطف في مدينتي .
دخلت القاعة وهي معي ، حييت الحاضرات اللواتي تحلقن حول أربع طاولات مستديرة بأربع كراسي ، فتحت حاسوبي ، بدأ عرض الشرائح ، انتصبت شريحة العرض الأولى ، اقتربت من الحاضرات ، استدعيت كل نظريات الطاقة والدافعية ومهارات الوقوف أمام الجمهور ، وعندما شرعت في تقديم عنوان الدورة ، رأيت عواطف تقف مبتسمة على الباب مرتدية بلوزتها السوداء الشفافة وسبابة يدها اليمنى تلاعب عقدها اللؤلؤ ي وتبعثرت حروف عنوان دورتي الثقة بالنفس .
, اعجبتني جدآ طريقة طرحكك واعجبني جدآ القصه
حبيت